وقال: "وإن كان القائل يعتقد أن ظاهر النصوص المتنازع في معناها من جنس ظاهر النصوص المتفق على معناها، والظاهر هو المراد في الجميع فإن الله تعالى لما أخبر إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الشورى:١٢]، وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الحج:٦]، واتفق أهل السنة وأئمة المسلمين على أن هذا على ظاهره، وأن ظاهر ذلك مراد، كان من المعلوم أنهم لم يريدوا بهذا الظاهر أن يكون علمه كعلمنا، وقدرته كقدرتنا.
وكذلك لما اتفقوا على أنه حي حقيقةً، عالم حقيقةً، قادر حقيقة، لم يكن مرادهم أنه مثل المخلوق الذي هو حي عليم قدير.
فكذلك إذا قالوا - في قوله تعالى: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:٥٤] رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ [المائدة:١١٩]، وقوله: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:٥٤]-: "وإنه على ظاهره". لم يقتض ذلك أن يكون ظاهره استواءً كاستواء المخلوق، ولا حباً كحبه، ولا رضا كرضاه؛ فإن كان المستمع يظن أن ظاهر الصفات تماثل صفات المخلوقين لزمه أن لا يكون شيء في ظاهر ذلك مراداً، وإن كان يعتقد أن ظاهرها هو ما يليق بالخالق ويختص به. لم يكن له نفي هذا الظاهر، ونفي أن يكون مراداً إلا بدليل يدل على النفي وليس في العقل ولا في السمع ما ينفي هذا إلا من جنس ما ينفي به سائر الصفات فيكون الكلام في الجميع واحداً.
وبيان هذا أن صفاتنا منها ما هي أعيان وأجسام، وهي أبعاض لنا، كالوجه واليد.
ومنها ما هي معان وأعراض، وهي قائمة بنا كالسمع والبصر والكلام والعلم والقدرة.
ثم من المعلوم أن الرب لما وصف نفسه بأنه حي عليم قدير لم يقل المسلمون: "إن ظاهر هذا غير مراد؛ لأن مفهوم ذلك في حقه مثل مفهومه في حقنا".
فكذلك لما وصف نفسه بأنه خلق آدم بيده لم يوجب ذلك أن يكون ظاهره غير مراد؛ لأن مفهوم ذلك في حقه كمفهوم في حقنا؛
بل صفة - كل- موصوف تناسبه.
فإذا كانت نفسه المقدسة ليست مثل ذوات المخلوقين فصفاته كذلك ليست من مثل صفات المخلوقين ونسبة صفة المخلوق إليه كنسبة صفة الخالق إليه، وليس المنسوب كالمنسوب، ولا المنسوب إليه كالمنسوب إلينا ... ".
ثم ذكر شيخ الإسلام من مفاسد قولهم: "ظاهر النصوص غير مراد أو ظاهرها تشبيه" ما يلي:
أ- أن مدلول النصوص هو التمثيل.
ب- إبقاء النصوص معطلة عما هو اللائق بالله تعالى.
ج- نفي الصفات التي تدل عليها تلك النصوص فيكون معطلاً، لما يستحقه سبحانه وتعالى.
د- وصف الرب سبحانه وتعالى بنقيض صفاته اللائقة به تعالى من صفات الأموات والجمادات أو صفات المعدومات. ثم قال: "فيكون قد عطل النصوص عما دلت عليه من الصفات، وجعل مدلولها هو التمثيل بالمخلوقات، فيجمع في الله وفي كلام الله بين التعطيل والتمثيل فيكون ملحداً في أسماءه وآياته ... " (١).
وقال شيخ الإسلام: "وجماع الأمر: أن الأقسام الممكنة في آيات الصفات وأحاديثها ستة أقسام كل قسم عليه طائفة من أهل القبلة.
١ - قسمان يقولون: تُجْرَى على ظواهرها.
٢ - وقسمان يقولون: هي على خلاف ظاهرها.
٣ - وقسمان يسكتون.
أما الألولون فقسمان:
أحدهما: من يجريها على ظاهرها، ويجعل ظاهرها من جنس صفات المخلوقين فهؤلاء المشبهة، ومذهبهم باطل أنكره السلف.
(١) ((التدمرية)) (ص ٧٦ - ٨١)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (٣/ ٤٦ - ٤٩)، ومثله كلام مهم لشيخ الإسلام في ((الحموية)) (ص ١٠٦ - ١٠٧)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (٥/ ١٠٨ - ١٠٩)، و ((المدنية)) "رسالة تحقيق المجاز والحقيقة" (ص ١٢٢ - ١٢٤)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (٦/ ٣٥٥ - ٣٥٨) و ((النفائس)) (ص ٣١ - ٣٣).