للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني: من يجريها على ظاهرها اللائق بجلال الله كما يُجْرَى اسم "العليم، والقدير، والإله، والموجود، والذات" ونحو ذلك على ظاهرها اللائق بجلال الله.

فإن ظواهر هذه الصفات في حق المخلوق إما جوهر محدث، وإما عرض قائم به، فالعلم والقدرة والكلام، والمشيئة، والرحمة، والرضا، والغضب" ونحو ذلك في حق العبد أعراض.

و"الوجه، واليد، والعين" في حقه أجسام. فإذا كان الله موصوفاً عند عامة أهل الإثبات بأن له علماً، وقدرة، وكلاماً، ومشيئة، وإن لم يكن ذلك عرضاً يجوز (١) عليه ما يجوز على صفات المخلوقين - جاز أن يكون وجه الله، ويداه صفاتٍ ليست أجساماً يجوز (٢) عليها ما يجوز على صفات المخلوقين.

وهذا هو المذهب الذي حكاه الخطابي، وغيره من السلف، وعليه يدل كلام جمهورهم وكلام الباقين لا يخالفه، وهو أمر واضح.

فإن الصفات كالذات، فكما أن ذات الله ثابتة حقيقة من غير أن تكون من جنس المخلوقات - فصفاته ثابتة حقيقة من غير أن تكون من جنس صفات المخلوقات، فمن قال: "لا أعقل علماًً، ويداً إلا من جنس العلم واليد المعهودين

قيل له: فكيف تعقل ذاتاً من غير جنس ذوات المخلوقين؟

ومن المعلوم أن صفات كل موصوف تناسب ذاته، وتلائم حقيقته.

فمن لم يفهم من صفات الرب - الذي ليس كمثله شيء - غلا ما يناسب المخلوق فقد ضل في عقله، ودينه.

وما أحسن ما قال بعضهم: (إذا قال لك الجهمي: "كيف استوى"، أو "كيف ينزل إلى سماء الدنيا" أو "كيف يداه" ونحو ذلك؟.

فقل له: "كيف هو في نفسه

فإذا قال لك: "لا يعلم ما هو إلا هو، وكنه الباري تعالى غير معلوم للبشر" فقل له: "فالعلم بكيفية الصفة مستلزم للعلم بكيفية الموصوف.

فكيف يمكن أن تعلم كيفية صفة لموصوف، لم تعلم كيفيته؟ وإنما تعلم الذات، والصفات من حيث الجملة على الوجه الذي ينبغي لك ... ).ثم ذكر شيخ الإسلام بقية الأقسام فراجعه (٣).

قلت: الحاصل من هذا الوجه: أن من زعم أن ظاهر نصوص الصفات موهم لتشبيه الله بخلقه ثم التزم ذلك فهو مشبه عابد صنم ممثل الله تعالى بخلقه، ومن زعم أن ظاهرها موهم للتشبيه ولكنه غير مراد ثم أولها إلى ما يقتضيه عقله الفاسد فهو أولاً: معطل لصفات الله تعالى، وثانياً: محرف لنصوصها، وثالثاً: واقع فيما فر منه، ورابعاً: مشبه لله تعالى بالجمادات والمعدومات، والممتنعات، كما أنه غالط في قوله: إن هذا ظاهر النصوص ومن آمن بالصفات ونصوصها بلا تكييف ولا تمثيل فقد أصاب الحق وسلم من التعطيل والتمثيل، لأن ذلك هو الظاهر اللائق بجلال الله تعالى، وبالله التوفيق.

الوجه الثامن:

أن نقول: إن الذين تشبثوا في نفي بعض الصفات بشبهة التشبيه، ويقولون: فإن ظاهر نصوصها تشبيه، أو موهم للتشبيه فظاهرها غير مراد أو يقولون: "إن هذه النصوص ظواهرها ظنية في معارضة العقليات القطعية، فهي إما أن تفوض معانيها إلى الله، أو تؤول إلى ما يوافق البراهين العقلية"، إلى أخر ما يزعمون - مضطربون متناقضون، وقولهم متناقض تناقضاً واضحاً، متضارب تضارباً فاضحاً؛ فإنهم قد أثبتوا بعض الصفات، كالحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، فلم لم يفهموا من ظاهر نصوص تلك الصفات تشبيه الله بخلقه؟.


(١) الجملتان داخلتان تحت النفي و ((راجع النفائس)) (ص ١٦٢).
(٢) الجملتان داخلتان تحت النفي و ((راجع النفائس)) (ص ١٦٢)
(٣) ((الحموية)) (ص ١١٠ - ١١١)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (٥/ ١١٢ - ١١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>