للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد توعد الله سبحانه هذا المفارق للجماعة المعجب ببدعته توعده باستدراجه على عمله، قال تعالى: وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا [النساء: ١١٥].فهذا المفارق للجماعة السالك غير طريق الشريعة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، المخالف سبيل المؤمنين يجازيه الله تعالى بأن نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى أي: نحسن فعله في صدره ونزينه له استدراجا له، وكما قال تعالى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [الصف: ٥] (١).

ثامنا – عدم قبول العمل وإحباطهإن هذا المفارق للجماعة، المحدث في دين الله، المخالف لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عمله مردود عليه وإن ظن أنه حسن وصواب، أو كانت نيته حسنة فلا ينفعه ذلك ما دام أنه مخالف للسنة، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:)) من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (((٢)، فلا يقبل الله منه ما ابتدع وأحدث في دين الله فإنه ضلالة (٣).وقيل: إن صاحب البدعة لا يقبل منه عمل بإطلاق على أي وجه وقع، من وفاق السنة أو خلافها، قال ابن عمر رضي الله عنهما عن القدرية: "إذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم برآء مني، فوالذي يحلف به عبد الله بن عمر لو كان لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما تقبله الله منه حتى يؤمن بالقدر" (٤).وكذلك جاء عن عبادات الخوارج حينما ذكر من صلاتهم وصيامهم وعملهم الصالح قال بعد ذلك صلى الله عليه وسلم: ((يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية)) (٥) ويؤيد هذا القول ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((المدينة حرم من عائر إلى كذا، من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل)) (٦).وذلك على رأي من فسر الصرف بالفريضة، والعدل بالنافلة، وهذا شديد جدا على أهل الإحداث في الدين (٧).وقيل: بل يرد عمله ولا يقبل إذا كانت بدعته أصلا يتفرع عليه سائر الأعمال، كما إذا ذهب إلى إنكار العمل بخبر الواحد بإطلاق، أو كانت بدعته تخرجه عن الإسلام، أو كان اعتقاده في الشريعة ضعيفا بأن يدعي أنها مكملة أو تابعة لرأيه وعقله (٨).

تاسعا – الحرمان من شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ففي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((رجلان ما تنالهما شفاعتي، إمام ظلوم غشوم، وآخر غال في الدين مارق منه)) (٩).


(١) انظر ((تفسير ابن كثير)) (١/ ٥٢٦)، وانظر كتاب ((الاعتصام)) للشاطبي (ص٤٨).
(٢) رواه البخاري (٢٦٩٧) ومسلم (١٧١٨)
(٣) انظر ((الاعتصام)) (ص٨٨).
(٤) رواه مسلم (٨).
(٥) رواه البخاري (٣٣٤٤) ومسلم (١٠٦٤)
(٦) رواه البخاري (٧٣٠٠)
(٧) انظر ((الاعتصام)) للشاطبي (ص٨٥) بتصرف، ((فتح الباري)) (٤/ ٨٦).
(٨) انظر ((الاعتصام)) للشاطبي (ص٨١ - ٨٨) باختصار وتصرف.
(٩) رواه ابن أبي عاصم ((السنة)) (ص٢٣) ورواه الطبراني (١٧٢٥١) بلفظ صنفان، وقال الهيثمي في ((المجمع)) (٥/ ٢٣٥) رجاله ثقات، وصححه الألباني.

<<  <  ج: ص:  >  >>