للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥ - وقال شيخ الإسلام أيضاً: بعد ما ذكر هذيانهم في "الكلام النفسي" من "أنه معنى واحد إن عبر عنه بالعربية فهو قرآن وإن عبر عنه بالعبرية فهو توراة:

"وجمهور الناس من أهل السنة والمعتزلة وغيرهم أنكروا ذلك، وقالوا: إن فساد هذا معلوم بصريح العقل.

فإن التوراة إذا عربت لم تكن القرآن. ولا معنى "قل هو الله أحد" هو معنى "تبت يدا أبي لهب ... " (١).

٦ - وقال بعد ما ذكر هذيانهم المذكور من "أن الكلام معنى واحد قائم بنفس الله إن عبر عنه بالعربية كان قرآناً وإن عبر عنه بالعبرية كان توراة، وإن عبر عنه بالسريانية، كان إنجيلاً، وأن القرآن العربي لم يتكلم الله به، بل وليس هو كلام الله وإنما خلقه في بعض الأجسام":"جمهور الناس من أهل السنة وأهل البدعة يقولون: إن فساد هذا القول معلوم بالاضطرار وإن معاني "القرآن" ليست هي معاني "التوراة" وليست معاني "التوراة" المعربة هي "القرآن" ولا "القرآن" إذا ترجم بالعبرية هو "التوراة" ولا "حقيقة" الأمر هي حقيقة "الخبر ... " (٢).

٧ - وقال في إبطال قولهم: "إن الكلام معنى واحد":

"فقالوا القول الذي لزمته تلك اللوازم التي عظم فيها نكير جمهور المسلمين بل جمهور العقلاء عليهم، وأنكر الناس عليهم أموراً:

أ- إثبات معنى واحدٍ هو الأمر والخبر.

ب- وجعل القرآن العربي ليس من كلام الله الذي تكلم به.

ج- وأن الكلام المنزل ليس هو كلام الله.

د- وأن التوراة والإنجيل والقرآن إنما تختلف عبارتها، فإذا عبر عن "التوراة" بالعربية كان هو "القرآن".

هـ- وأن الله لا يقدر أن يتكلم.

وولا يتكلم بمشيئته واختياره.

ز- وتكليمه لمن كلمه من خلقه - كموسى وآدم - ليس إلا خلق إدراك ذلك المعنى لهم فالتكليم هو خلق الإدراك فقط.

ح- ومنهم من يقول: بل كلام الله لا يسمع بحال ....

وجمهور العقلاء يقولون: إن هذه الأقوال معلومة الفساد بالضرورة ....

ط- وكذلك من قال: لا يتكلم إلا بأصوات قديمة أزلية ليست متعاقبة ... ،

فجمهور العقلاء يقولون: إن قول هؤلاء أيضاً معلوم الفساد ... ،ي- من قال: إن الصوت المسموع من القارئ قديم، أو يسمع منه صوت قديم ومحدث فهذا أظهر فساداً من أن يحتاج إلى الكلام عليه ... " (٣).

٨ - وقال شيخ الإسلام أيضاً في صدد إبطاله للكلام النفسي:

" ... لأن إثبات كلام يقول بذات المتكلم بدون مشيئته وقدرته غير معقول ولا معلوم، والحكم على الشيء فرع عن تصوره.

فيقال للمحتج بها - (أي بالحجة العقلية) - لا أنت ولا أحد من العقلاء يتصور كلاماً يقوم بذات المتكلم بدون مشيئته وقدرته.

فكيف تثبت بالدليل المعقول شيئاً لا يعقل؟.

وأيضاً فقولك: لو لم يتصف بالكلام لا تصف بالخرس والسكوت".

إنما يعقل في الكلام بالحروف والأصوات.

فإن الحي إذا فقدها لم يكن متكلماً.

فإما أن يكون قادراً على الكلام ولم يتكلم وهو الساكت،

وإما أن لا يكون قادراً عليه وهو الأخرس.

وأما ما يدعونه من "الكلام النفسي".

فذاك لا يعقل أن من خلا عنه كان ساكتاً أو أخرس.

فلا يدل - بتقدير ثبوته - على أن الخالي عنه يجب أن يكون ساكتاً أو أخرس.

وأيضاً فالكلام القديم "النفساني" الذي أثبتموه.

لم تثبتوه ما هو؟ بل ولا تصورتموه.

وإثبات الشيء فرع تصوره.

فمن لم يتصور ما يثبته - كيف يجوز أن يثبته؟!.

ولهذا كان أبو سعيد بن كلاب - رأس هذه الطائفة وإمامها في هذه المسألة - لا يذكر في بيانها شيئاً يعقل.

بل يقول: هو معنى يناقض السكوت والخرس.

والسكوت والخرس إنما يتصوران إذا تصور الكلام.


(١) ((درء التعارض)) (١/ ٢٦٧. ٢/ ١١٠)، ((مجموع الفتاوى)) (٦/ ٦٤).
(٢) ((درء التعارض)) (٢/ ١١٠).
(٣) ((درء التعارض)) (٢/ ١١٤ - ١١٥)، و (٦/ ٢٦٨)، وفيها بيان حماقاتهم الأخرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>