للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب


[ () ] سورة هود قال:
وغير ممكن أن تكون نبوّته لم تبلغ القريب والبعيد لطول مدته، ووجّهه ابن دقيق العيد بأن توحيد اللَّه تعالى يجوز أن يكون عامّا في حق بعض الأنبياء، وإن كان التزام فروع شريعته ليس عاما، لأن منهم من قاتل غير قومه على الشرك، ولو لم يكن التوحيد لازما لهم لم يقاتلهم.
ويحتمل أنه لم يكن في الأرض عند إرسال نوح إلا قوم نوح، [وهذا الاحتمال الأخير أظهر مما قبله، لقول اللَّه تعالى: وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ، وقوله تعالى:
وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً] فبعثته خاصة لكونها إلى قومه فقط، وهي عامة في الصورة لعدم وجود غيرهم، لكن لو اتفق وجود غيرهم لم يكن مبعوثا إليهم.
وغفل الداوديّ الشارح غفلة عظيمة فقال:
قوله: «لم يعطهن أحد»
يعني لم تجمع قبله، لأن نوحا بعث إلى كافة الناس، وأما الأربع فلم يعط أحد واحدة منهن. وكأنه نظر في أول الحديث وغفل عن آخره، لأنه
نص صلى اللَّه عليه وسلّم على خصوصيته بهذه أيضا لقوله: «وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة» ، وفي رواية مسلم: «وكان كل نبي» .
قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «نصرت بالرعب» ، زاد أبو أمامة: «يقذف في قلوب أعدائي» ، أخرجه الإمام أحمد.
قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «مسيرة شهر» ،
مفهومه أنه لم يوجد لغيره النصر بالرعب في هذه المدة ولا في أكثر منها، أما ما دونها فلا، لكن لفظ
رواية عمرو بن شعيب: «ونصرت على العدو بالرعب، ولو كان بيني وبينهم مسيرة شهر» ،
فالظاهر اختصاصه به مطلقا، وإنما جعل الغاية شهرا، لأنه لم يكن بين بلده وبين أحد من أعدائه أكثر منه، وهذه الخصوصية حاصلة له على الإطلاق، حتى لو كان وحده بغير عسكر، وهل هي حاصلة لأمته من بعده؟ فيه احتمال.
قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «وجعلت لي الأرض مسجدا» ،
أي موضع سجود، لا يختص السجود منها بموضع دون غيره، ويمكن أن يكون مجازا عن المكان المبني للصلاة، وهو من مجاز التشبيه، لأنه لما جازت الصلاة في جميعها، كانت كالمسجد في ذلك.
قال ابن التين: قيل: المراد جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وجعلت لغيري مسجدا، ولم تجعل له طهورا، لأن عيسى عليه السلام، كان يسبح في الأرض، ويصلي حيث أدركته الصلاة، كذا قال، وسبقه إلى ذلك الداوديّ.
وقيل: إنما أبيحت لهم في موضع يتيقنون طهارته، بخلاف هذه الأمة، فأبيح لها في جميع الأرض، إلا فيما يتيقنوا نجاسته، والأظهر ما قاله الخطابي، وهو أن من قبله إنما أبيحت لهم الصلوات في أماكن مخصوصة، كالبيع والصوامع، ويؤيده
رواية عمرو بن شعيب بلفظ: «وكان من قبلي إنما يصلون في كنائسهم» ،
وهذا نص في موضع النزاع، فثبتت الخصوصية، ويؤيده ما
أخرجه البزار من حديث ابن عباس نحو حديث الباب فيه: «ولم يكن من الأنبياء أحد يصلي حتى يبلغ محرابه» .
قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «وطهورا» ،
استدلّ به على أن الطهور هو المطهر لغيره، لأن الطهور لو كان المراد به الطاهر لم تثبت الخصوصية، والحديث إنما سيق لإثباتها.
وقد روى ابن المنذر، وابن الجارود، بإسناد صحيح، عن أنس مرفوعا: «جعلت لي كل أرض طيبة مسجدا وطهورا» ،
ومعنى طيبة طاهرة،