هذا الحديث أخرج البخاري في كتاب التيمم، باب (١) ، حديث رقم (٣٣٥) : أخبرنا سيار قال: حدثنا يزيد الفقير قال: أخبرنا جابر بن عبد اللَّه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيّما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلّت لي المغانم ولم تحلّ لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة» . قوله: «حدثنا يزيد الفقير» ، هو ابن صهيب يكنى أبا عثمان، التابعي مشهور، قيل له الفقير لأنه كان يشكو فقار ظهره، ولم يكن فقيرا من المال، قال صاحب المحكم: رجل فقير مكسور فقار الظهر، ويقال له: فقير بالتشديد أيضا. فائدة: مدار حديث جابر هذا على هشيم بهذا الإسناد، وله شواهد من حديث ابن عباس وأبي موسى وأبي ذر، من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، رواها كلها أحمد بأسانيد حسان. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «لم يعطهن أحد قبلي» ، زاد في كتاب الصلاة عن محمد بن سنان: «من الأنبياء» ، وفي حديث ابن عباس: «لا أقولهن فخرا» ، ومفهومه أنه لم يختص بغير الخمس المذكورة، لكن روى مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا: «فضلت على الأنبياء بست» ، فذكر أربعا من هذه الخمس، وزاد ثنتين كما سيأتي بعد. وطريق الجمع أن يقال: لعله اطلع أولا على بعض ما اختص به، ثم اطلع على الباقي، ومن لا يرى مفهوم العدد حجة يدفع هذا الإشكال من أصله. وظاهر الحديث يقتضي أن كل واحدة من الخمس المذكورات لم تكن لأحد قبله، وهو كذلك. ولا يعترض بأن نوحا عليه السلام، كان مبعوثا إلى أهل الأرض بعد الطوفان، لأنه لم يبق إلا من كان مؤمنا معه، وقد كان مرسلا إليهم، لأن هذا العموم لم يكن في أصل بعثته، وإنما اتفق بالحادث الّذي وقع، وهو انحصار الخلق في الموجودين بعد هلاك سائر الناس، وأما نبينا صلى اللَّه عليه وسلّم فعموم رسالته من أصل البعثة، فثبت اختصاصه بذلك. وأما قول أهل الموقف لنوح كما صح في حديث الشفاعة: «أنت أول رسول إلى أهل الأرض» ، فليس المراد به به عموم بعثته، بل إثبات أولية إرساله، وعلى تقدير أن يكون مرادا فهو مخصوص بتنصيصه سبحانه وتعالى في عدة آيات، على أن إرسال نوح كان إلى قومه، ولم يذكر أنه أرسل إلى غيرهم. واستدل بعضهم لعموم بعثته بكونه دعا على جميع من في الأرض، فأهلكوا بالغرق إلا أهل السفينة، ولو لم يكن مبعوثا إليهم لما أهلكوا، لقوله تعالى: وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا، وقد ثبت أنه أول الرسل. وأجيب بجواز أن يكون غيره أرسل إليهم في أثناء مدة نوح، وعلم نوح بأنهم لم يؤمنوا، فدعا على من لم يؤمن من قومه ومن غيرهم فأجيب، وهذا جواب حسن، لكن لم ينقل أنه نبّئ في زمن نوح غيره. ويحتمل أن يكون معنى الخصوصية لنبينا صلى اللَّه عليه وسلّم في ذلك بقاء شريعته إلى يوم القيامة، ونوح وغيره بصدد أن يبعث نبي في زمانه، أو بعده، فينسخ بعض شريعته، ويحتمل أن يكون دعاؤه قومه إلى التوحيد، بلغ بقية الناس، فتمادوا على الشرك فاستحقوا العذاب، وإلى هذا نحا ابن عطية في تفسيره