للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واختص أيضا بإعجاز القرآن، وأعطي جوامع الكلم، ولم يعط ذلك نبي قبله، واعطي كما قال: ستا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبله: بعث إلى الناس كافة فعمت رسالته، ونصر بالرعب، وأحلت له ولأمته الغنائم، وجعلت له ولأمته الأرض مسجدا وتربتها طهورا، ومما خصّ به أن أعطاه اللَّه مفاتيح خزائن الأرض، وخصّه بصورة الكمال فكملت به الشرائع وكان خاتم الأنبياء، ولم يكن ذلك


[ () ] النوع، ومنهن عرف مسائل الغسل، والحيض، والعدة، ونحوها.
قال: ولم يكن ذلك لشهوة منه في النكاح، ولا كان يحب الوطء للذة البشرية، معاذ اللَّه، وإنما حبّب إليه النساء لنقلهن عنه ما يستحي هو من الإمعان في التلفظ به، فأحبهن لما فيه من الإعانة على نقل الشريعة في هذه الأبواب.
وأيضا فقد نقلن ما لم ينقله غيرهن مما رأينه في منامه، وحال خلوته، من الآيات البينات على نبوته، ومن جدّه، واجتهاده في العبادة، ومن أمور يشهد كل ذي لب أنها لا تكون إلا لنبي، وما كان يشاهدها غيرهن، فحصل بذلك خير عظيم.
وقال الموفق عبد اللطيف البغدادي: لما كانت الصلاة جامعة لفضائل الدنيا والآخرة، خصّها بزيادة صفة، وقدّم الطيب لإصلاحه النفس، وثنّي بالنساء لإماطة أذى النفس بهن، وثلّث بالصلاة لأنها تحصل حينئذ صافية عن الشوائب، خالصة من الشواغل. (سنن النسائي بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي) : ٧/ ٧٢- ٧٣.
وقال الإمام السندي: قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «حبّب إليّ من الدنيا النساء» ،
قيل: إنما حبب إليه النساء لينقلن عنه ما لا يطلع عليه الرجال من أحواله، ويستحيا من ذكره.
وقيل: حبب إليه زيادة في الابتلاء في حقه، حتى لا يلهو بما حبب إليه من النساء عما كلف به من أداء الرسالة، فيكون أكثر لمشاقه، وأعظم لأجره، وقيل غير ذلك.
وأما الطيب، فكأنه يحبه لكونه يناجي الملائكة، وهم يحبون الطيب، وأيضا هذه المحبة تنشأ من اعتدال المزاج، وكمال الخلقة، وهو صلى اللَّه عليه وسلّم أشدّ اعتدالا من حيث المزاج، وأكمل خلقة.
وقوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «قرة عيني في الصلاة» ،
إشارة إلى أن تلك المحبة، غير ما نعقله عن كمال المناجاة مع الرب تبارك وتعالى، بل هو مع تلك المحبة منقطع إليه تعالى، حتى أنه بمناجاته تقر عيناه، وليس له قريرة العين فيما سواه.
فمحبته الحقيقية ليست إلا لخالقه تبارك وتعالى،
كما قال: صلى اللَّه عليه وسلّم: «لو كنت متخذا أحدا خليلا لاتخذت أبا بكر، وإن صاحبكم لخليل الرحمن»
- أو كما قال- وفيه إشارة إلى أن محبة النساء والطيب إذا لم يكن مخلا لأداء حقوق العبوديّة، بل للانقطاع إليه تعالى، يكون من الكمال، وإلا يكون من النقصان، فليتأمّل.
وعلى ما ذكر، فالمراد بالصلاة، هي ذات ركوع وسجود، ويحتمل أن المراد في صلاة اللَّه تعالى عليّ، أو في أمر اللَّه تعالى الخلق بالصلاة عليّ. واللَّه تعالى أعلم. (المرجع السابق) : ٧٣- ٧٤.