للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب


[ () ] حتى يلهو بما حبب إليه من النساء، عما كلف من أداء الرسالة، فيكون ذلك أكثر لمشاقه وأعظم لأجره.
والثاني: لتكون خلواته مع ما يشاهدها من نسائه، فيزول عنه ما يرميه به المشركون من أنه ساحر أو شاعر، فيكون تحببهن إليه على وجه اللطف به، وعلى القول الأول على وجه الابتلاء، وعلى القولين فهو له فضيلة.
وقال التستري في (شرح الأربعين) : «من» في هذا الحديث بمعنى «في» ، لأن هذه من الدين لا من الدنيا، وإن كانت فيها. والإضافة في رواية «دنياكم» للإيذان بأن لا علاقة له بها.
وفي هذا الحديث: إشارة إلى وفائه صلى اللَّه عليه وسلّم بأصلي الدين، وهما التعظيم لأمر اللَّه، والشّفقة على خلق اللَّه، وهما كمال لقوّتيه، النظرية والعملية، فإن كمال الأولى بمعرفة اللَّه، والتعظيم دليل عليها، لأنه لا يتحقق بدونها، والصلاة لكونها مناجاة اللَّه تعالى على ما قال صلى اللَّه عليه وسلّم: «المصلي يناجي ربه» ، نتيجة التعظيم على ما يلوح من أركانها ووظائفها.
وكمال الثانية في الشفقة وحسن المعاملة مع الخلق، وأولى الخلق بالشفقة بالنسبة إلى كل واحد من الناس، نفسه وبدنه، كما
قال صلى اللَّه عليه وسلّم: «أبدأ بنفسك ثم بمن تعول» ،
والطيب أخص الذات بالنفس، ومباشرة النساء ألذّ الأشياء بالنسبة إلى البدن، مع ما يتضمن من حفظ الصحة، وبقاء النسل المستمر لنظام الوجود، ثم إن معاملة النساء، أصعب من معاملة الرجال، لأنهن أرق دينا، وأضعف عقلا، وأضيق خلقا، كما
قال صلى اللَّه عليه وسلّم: «ما رأيت من ناقصات عقل ودين، أذهب للبّ الرجل الحازم منكن» .
فهو عليه الصلاة والسلام أحسن معاملتهن بحيث عوتب بقوله تعالى: تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ، وكان صدور ذلك طبعا لا تكلفا، كما يفعل الرجل ما يحبه من الأفعال، فإذا كانت معاملته معهن هذا، فما ظنك بمعاملته مع الرجال، الذين هم أكمل عقلا، وأمثل دينا، وأحسن خلقا؟.
وقوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «وجعلت قرة عيني في الصلاة» ،
إشارة إلى أن كمال القوة النظرية أهم عنده وأشرف في نفس الأمر، وأما تأخيره فللتدرج التعليمي من الأدنى إلى الأعلى، وقدم الطيب على النساء، لتقدم حظ النفس على حظ البدن في الشرف.
وقال الحكيم الترمذي في (نوادر الأصول) : الأنبياء زيدوا في النكاح لفضل نبوتهم، وذلك أن النور إذا امتلأ منه الصدر، ففاض في العروق، التذت النفس والعروق، فأثار الشهوة وقوّاها.
وروى عن سعيد بن المسيب أن النبيين عليهم الصلاة والسلام، يفضّلون بالجماع على الناس، وروى عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: «أعطيت قوة أربعين رجلا في البطش والنكاح، وأعطى المؤمن قوة عشرة» ،
فهو بالنّبوّة، والمؤمن بإيمانه، والكافر له شهوة الطبيعة فقط.
قال: وأما الطيب فإنه يزكي الفؤاد ...
وروى أحمد والترمذي من حديث أبي أيوب قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: «أربع من سنن المرسلين: التعطّر، والحياء، والنكاح، والسواك» .
وقال الشيخ تقي الدين السبكي: السّرّ في إباحة نكاح أكثر من أربع لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، أن اللَّه تعالى أراد نقل بواطن الشريعة وظواهرها، وما يستحيا من ذكره، وما لا يستحيا منه، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أشدّ الناس حياء، فجعل اللَّه تعالى له نسوة، ينقلن من الشرع ما يرينه من أفعاله، ويسمعنه من أقواله، التي قد يستحي من الإفصاح بها بحضرة الرجال، ليكتمل نقل الشريعة، وكثر عدد النساء ليكثر الناقلون لهذا