والظاهر أن المراد بالشفاعة المختصّة في هذا الحديث إخراج من ليس له عمل صالح إلا التوحيد، وهو مختص أيضا بالشفاعة الأولى، لكن جاء التنويه بذكر هذه لأنها غاية المطلوب من تلك لاقتضائها الراحة المستمرة. وقد ثبتت هذه الشفاعة في رواية الحسن عن أنس في كتاب التوحيد: «ثم أرجع إلى ربي في الرابعة فأقول: يا رب ائذن لي فيمن قال: لا إله إلا اللَّه، فيقول: وعزتي وجلالي لأخرجن منها من قال: لا إله إلا اللَّه» . ولا يعكر على ذلك ما وقع عند مسلم قبل قوله: «وعزتي» فيقول: «ليس ذلك، وعزتي.. إلخ» ، لأن المراد أنه لا يباشر الإخراج كما في المرات الماضية، بل كانت الشفاعة سببا في ذلك. وأما قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «وبعثت إلى الناس عامة» ، فوقع في رواية مسلم: «وبعثت إلى كل أحمر وأسود» ، فقيل: المراد بالأحمر العجم، وبالأسود العرب، وقيل: الأحمر الإنس، والأسود الجن، وعلى الأول التنصيص على الإنس من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، لأنه مرسل إلى الجميع، وأصرح الروايات في ذلك وأشملها، رواية أبي هريرة عند مسلم: «وأرسلت إلى الخلق كافة» . قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) : أول حديث أبي هريرة هذا: «فضّلت على الأنبياء بست» ، فذكر الخمس المذكورة في حديث جابر إلا الشفاعة، وزاد خصلتين وهم: «وأعطيت جوامع الكلم، وختم بي النبيون» ، فتحصل منه ومن حديث جابر سبع خصال. ولمسلم أيضا من حديث حذيفة: «فضلنا على الناس بثلاث خصال: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة» وذكر خصلة الأرض كما تقدم، قال: وذكر خصلة أخرى، وهي الخصلة المهمة بينها ابن خزيمة والنسائي، وهي: «وأعطيت هذه الآيات من سورة البقرة من كنز تحت العرش» ، يشير إلى ما حطه اللَّه عن أمته من الإصر، وتحميل ما لا طاقة لهم به، ورفع الخطأ والنسيان، فصارت الخصال تسعا. ولأحمد من حديث علي: «أعطيت أربعا لم يعطهنّ أحد من أنبياء اللَّه: أعطيت مفاتيح الأرض، وسميت أحمد، وجعلت أمتي خير الأمم» وذكر خصلة التراب فصارت الخصال اثنتي عشرة خصلة. وعند البزار من وجه آخر عن أبي هريرة رفعه: «فضّلت على الأنبياء بست: غفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر، وجعلت أمتي خير الأمم، وأعطيت الكوثر، وإن صاحبكم لصاحب لواء الحمد يوم القيامة، تحته آدم فمن دونه» ، وذكر ثنتين مما تقدم. وله من حديث ابن عباس رفعه: «فضّلت على الأنبياء بخصلتين: كان شيطاني كافرا فأعانني اللَّه عليه فأسلّم» قال: ونسيت الأخرى، قال الحافظ ابن حجر: فينتظم بهذا سبع عشرة خصلة. ويمكن أن يوجد أكثر من ذلك لمن أمعن التتبع. وقد تقدم طريق الجمع بين هذه الروايات، وأنه لا تعارض فيها. وقد ذكر أبو سعيد النيسابورىّ في كتاب (شرف المصطفى) ، أن عدد الّذي اختص به نبينا صلى اللَّه عليه وسلّم عن الأنبياء ستون خصلة. وفي حديث الباب من الفوائد غير ما تقدم: [١] مشروعية تعديد نعم اللَّه. [٢] إلقاء العلم قبل السؤال. [٣] أن الأصل في الأرض الطهارة. [٤] أن صحة الصلاة لا تختص بالمسجد المبني لذلك. وأما حديث: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» فضعيف، أخرجه الدار الدّارقطنيّ من حديث