قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «حتى كنت من القرن الّذي كنت منه» ، في رواية الإسماعيلي: «حتى بعثت من القرن الّذي كنت فيه» . .. والقرن أهل زمان واحد متقارب، اشتركوا في أمر من الأمور المقصودة، ويقال: إن ذلك مخصوص بما إذا اجتمعوا في زمن نبي أو رئيس يجمعهم علي ملة، أو مذهب، أو عمل. ويطلق القرن علي مدة من الزمان، واختلفوا في تحديدها، ذكر الجوهري بين الثلاثين والثمانين، وقد وقع في حديث عبد اللَّه بن بسر عند مسلم، ما يدل علي أن القرن مائة وهو المشهور. وقال صاحب المطالع: القرن أمة هلكت، فلم يبق منهم أحد، وثبتت المائة في حديث عبد اللَّه بن بسر، وهو ما عند أكثر أهل العراق. ولم يذكر صاحب (المحكم) الخمسين، وذكر من عشر إلي سبعين، ثم قال: هذا هو القدر المتوسط من أعمار أهل كل زمن، وهذا أعدل الأقوال، وبه صرح ابن الأعرابي وقال: إنه مأخوذ من الأقران، ويمكن أن يحمل عليه المختلف من الأقوال المتقدمة ممن قال إن القرن أربعون فصاعدا، أما من قال إنه دون ذلك فلا يلتئم علي هذا القول واللَّه أعلم. والمراد بقرن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في هذا الحديث الصحابة. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «وبعثت في خير قرون بني آدم» ، وفي رواية بريدة عند الإمام أحمد: «خير هذه الأمة القرن الّذي بعثت فيهم» ، وقد ظهر أن الّذي بين البعثة وآخر من مات من الصحابة مائة سنة وعشرون سنة، أو دونها، أو فوقها بقليل، علي الاختلاف في وفاة أبي الطفيل، وإن اعتبر ذلك من بعد وفاته صلى اللَّه عليه وسلّم فيكون مائة سنة أو تسعين أو سبعا وتسعين. وأما قرن التابعين، فإن اعتبر من سنة مائة كان نحو سبعين أو ثمانين، وأما الذين بعدهم، فإن اعتبر منها، كان نحوا من خمسين، فظهر بذلك أن مدة القرن تختلف باختلاف أعمار أهل كل زمان واللَّه تعالي أعلم. واتفقوا أن آخر من كان من أتباع التابعين ممن يقبل قوله من عاش إلي حدود العشرين ومائتين، ورفعت الفلاسفة رءوسها، وامتحن أهل العلم ليقولوا بخلق القرآن، وتغيرت الأحوال تغيرا شديدا، ولم يزل الأمر في نقص إلي الآن، وظهر قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «ثم يفشو الكذب» ظهورا بينا، حتى يشمل الأقوال، والأفعال، والمعتقدات، واللَّه المستعان. (فتح الباري) : ٦/ ٧١٢، ٧/ ٦- ٧. ومسلم: في كتاب الفضائل، باب (١) ، فضل نسب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وتسليم الحجر عليه قبل النبوة، حديث رقم (٢٢٧٦) : حدثنا محمد بن مهران الرازيّ، ومحمد بن عبد الرحمن بن سهم، جميعا عن الوليد، قال ابن مهران: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا الأوزاعي، عن أبي عمار شداد، أنه سمع وائلة بن الأسقع يقول: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: «إن اللَّه اصطفي كنانة من ولد إسماعيل، واصطفي قريشا من كنانة، واصطفي من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم» . وباب (٢) تفضيل نبينا صلى اللَّه عليه وسلّم علي جميع الخلائق، حديث رقم (٢٢٧٨) ، حدثني الحكم بن موسي أبو صالح، حدثنا هقل- يعني ابن زياد- عن الأوزاعي، حدثني أبو عمار، حدثني عبد اللَّه بن فروخ، حدثني أبو هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفّع»