للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب


[ () ] قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «إن اللَّه اصطفي كنانة» ،
قال الإمام النووي: استدل به أصحابنا علي أن غير قريش من الغرب ليس بكفء لهم، ولا غير بني هاشم كفؤ لهم، إلا بني المطلب فإنّهم هم وبنو هاشم شيء واحد، كما صرح به في الحديث الصحيح.
قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفّع» ،
قال الهروي: السيد هو الّذي يفوق قومه في الخير، وقال غيره: هو الّذي يفزع إليه في النوائب والشدائد، فيقوم بأمرهم، ويتحمّل عنهم مكارهم، ويدفعها عنهم.
وأما قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «يوم القيامة» ، مع أنه سيدهم في الدنيا والآخرة، فسبب التقييد أن في يوم القيامة يظهر سؤدده لكل أحد، ولا يبقى مناع ولا معاند ونحوه، بخلاف الدنيا فقد نازعه ذلك فيها ملوك الكفار، وزعماء المشركين.
وهذا التقييد قريب من معني قوله تعالي: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ مع أن الملك له سبحانه قبل ذلك، لكن كان في الدنيا من يدعي الملك، أو من يضاف إليه مجازا، فانقطع كل ذلك في الآخرة.
قال العلماء:
وقوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «أنا سيد ولد آدم» ،
لم يقله فخرا، بل صرّح بنفي الفخر في غير مسلم،
في الحديث المشهور: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر» ،
وإنما قاله لوجهين:
أحدهما: امتثال قوله تعالي: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ.
والثاني: أنه من البيان الّذي يجب عليه تبليغه إلي أمته، ليعرفوه ويعتقدوه، ويعملوا بمقتضاه، ويوقروه صلى اللَّه عليه وسلّم بما يقتضي مرتبته، كما أمرهم اللَّه تعالي.
الآدميين أفضل من الملائكة، وهو صلى اللَّه عليه وسلّم علي الخلائق كلهم، لأن مذهب أهل السنة أن الآدميين أفضل من الملائكة، وهو صلى اللَّه عليه وسلّم أفضل الآدميين وغيرهم. وأما
الحديث الآخر: «لا تفضلوا بين الأنبياء» ،
فجوابه من خمسة أوجه:
أحدهما: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم قاله قبل أن يعلم أنه سيد ولد آدم، فلما علم أخبر به.
والثاني: قاله أدبا وتواضعا.
والثالث: أن النهي إنما هو عن تفضيل يؤدي إلي تنقيص المفضول.
والرابع: إنما نهي عن تفضيل يؤدي إلي الخصومة والفتنة، كما هو المشهور في سبب الحديث.
والخامس: أن النهي مختص بالتفضيل في نفس النبوة، فلا تفاضل فيها، وإنما التفاضل بالخصائص وفضائل أخرى، ولا بدّ من اعتقاد التفضيل، فقد قال تعالي: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ.
قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «وأول شافع وأول مشفع» ،
إنما ذكر الثاني لأنه قد يشفع اثنان، فيشفع الثاني منهما قبل الأول. واللَّه تعالي أعلم.
والترمذي: في أبواب المناقب، باب (٢٠) ما جاء في فضل النبي صلى اللَّه عليه وسلّم حديث رقم (٣٨٥٠) :
حدثنا محمود بن غيلان، أخبرنا أبو أحمد، أخبرنا سفيان عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد اللَّه بن الحارث، عن المطلب بن أبي وداعة قال: «جاء العباس إلي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وكأنه سمع شيئا،