للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما تقدم من ذنبك وما تأخر، اشتفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فأنطلق فآتي تحت العرش، فأقع ساجدا لربي، ثم يفتح اللَّه على ويلهمني من محامده، وحسن الثناء عليه، شيئا لم يفتحه لأحد قبلي، ثم قال:

يا محمد، ارفع رأسك، سل تعطه، اشفع تشفّع، فأرفع رأسي فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقال: يا محمد، أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب، والّذي نفس محمد بيده، إن ما بين المصراعين [ (١) ] من مصاريع الجنة، لكما بين مكة وهجر، أو كما بين مكة وبصرى [ (٢) ] .


[ (١) ] المصراعان- بكسر الميم- جانبا الباب، وهجر- بفتح الهاء والجيم- مدينة عظيمة، هي قاعدة بلاد البحرين، وهجر هذه غير هجر المذكورة في حديث «إذا بلغ الماء قلتين بقلال هجر» ، تلك قرية من قرى المدينة، كانت القلال تصنع بها، وهي غير مصروفة. (مسلم بشرح النووي) : ٣/ ٦٩، (معجم البلدان) موضع رقم (١٢٦٣٧) .
[ (٢) ] بصرى- بضم الباء- مدينة معروفة، بينها وبين دمشق نحو ثلاث مراحل، وهي مدينة حوران، وبينها وبين مكة شهر (المرجع السابق) ، (معجم البلدان) موضع رقم (١٩٤٩) .
والحديث أخرجه مسلم في الإيمان، باب (٨٤) ، حديث رقم (٣٢٧) ، قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «يجمع اللَّه يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد، فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر» ،
أما الصعيد فهو الأرض الواسعة المستوية، وأما ينفذهم البصر، فهو بفتح الياء وبالذال المعجمة، وذكر الهروي وصاحب (المطالع) وغيرهما، أنه روي بضم الياء، وبفتحها، قال صاحب (المطالع) : رواه الأكثرون بالفتح، وبعضهم بالضم.
وأما معناه، فقال الهروي: قال أبو عبيد: معناه ينفذهم بصر الرحمن تبارك وتعالى، حتى يأتي عليهم كلهم. وقال غير أبي عبيد: أراد تخرقهم أبصار الناظرين لاستواء الصعيد، واللَّه تبارك وتعالى قد أحاط الناس أولا وآخرا. هذا كلام الهروي.
وقال صاحب (المطالع) : معناه أنه يحيط بهم الناظر، لا يخفى عليه منهم شيء لاستواء الأرض، أي ليس فيها ما يستتر به أحد عن الناظرين. قال: وهذا أولى من قول أبي عبيد: يأتي عليهم بصر الرحمن سبحانه وتعالى، لأن رؤية اللَّه تعالى تحيط بجميعهم في كل حال، في الصعيد المستوى وغيره، هذا قول صاحب (المطالع) .
قال الإمام أبو السعادات الجزري بعد أن ذكر الخلاف بين أبي عبيد وغيره، في أن المراد بصر الرحمن سبحانه وتعالى، أو بصر الناظر من الخلق: قال أبو حاتم: أصحاب الحديث يروونه بالذال المعجمة، وإنما هو بالمهملة، أي يبلغ أولهم وآخرهم، حتى يراهم كلهم ويستوعبهم، من نفد الشيء وأنفدته.
قال: وحمل الحديث على بصر الناظر أولى من حمله على بصر الرحمن تبارك وتعالى. مختصرا من (مسلم بشرح النووي) : ٣/ ٦٧- ٦٨.