للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في كتاب الدعاء [ (١) ] .

وخرج أبو بكر بن أبي شيبة من حديث أحمد بن عبد اللَّه قال: أخبرنا زهير ابن معاوية، أخبرنا أبو خالد الأسدي، أخبرنا عون بن أبي جحيفة السواري عن عبد الرحمن بن علقمة الثقفي عن عبد الرحمن بن أبي عقيل قال: انطلقت في وفد فأتينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فأنخنا الباب وما في الناس أبغض إلينا من رجل نلج عليه، فما خرجنا حتى ما في الناس رجل أحب إلينا من رجل دخلنا عليه، فقال قائل منا: يا رسول اللَّه! ألا سألت ربك ملكا كملك سليمان بن داود؟ فضحك ثم قال: لعل لصاحبكم عند اللَّه أفضل من ملك سليمان بن داود! إن اللَّه لم يبعث نبيا إلا أعطاه دعوة، فمنهم من اتخذ بها دنيا فأعطيها، ومنهم من دعا بها على قومه إذا عصوه فأهلكوا بها، وإن اللَّه أعطاني دعوة فاختبأتها عند ربي شفاعة لأمتي


[ (١) ]
أخرجه البخاري في الدعوات، باب (١) ، لكل نبي دعوة مستجابة، حديث رقم (٦٣٠٤) ، (٦٣٠٥) .
قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «وأريد. أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة» ،
وفي رواية أبي سلمة عن أبي هريرة «فأريد إن شاء اللَّه أن أختبئ» ،
وزيادة «إن شاء اللَّه» في هذا للتبرك،
ولمسلم من رواية أبي صالح عن أبي هريرة «وإني اختبأت» ،
وفي حديث أنس «فجعلت دعوتي» ، وزاد «يوم القيامة» ، وزاد أبو صالح «فهي نائلة إن شاء اللَّه من مات من أمتي لا يشرك باللَّه شيئا.
وقوله صلى اللَّه عليه وسلّم «من مات» في محل نصب على المفعولية، و «لا يشرك» في محل نصب على الحال، والتقدير: شفاعتي نائلة من مات غير مشرك، وكأنه صلى اللَّه عليه وسلّم أراد أن يؤخرها ثم عزم ففعل، ورجا وقوع ذلك، فأعلمه اللَّه به، فجزم به.
وقد استشكل ظاهر الحديث بما وقع لكثير من الدعوات المجابة، ولا سيما نبينا صلى اللَّه عليه وسلّم، وظاهره أن لكل نبي دعوة مستجابة فقط، والجواب: أن المراد بالإجابة في الدعوة المذكورة القطع بها، وما عدا ذلك من دعواتهم فهو على رجاء الإجابة.
وقيل: معنى قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: «لكل نبي دعوة» ، أي أفضل دعواته، ولهم دعوات أخرى، وقيل:
لكل منهم دعوة عامة مستجابة في أمته، إما بإهلاكهم وإما بنجاتهم، وأما الدعوات الخاصة، فمنها ما يستجاب ومنها ما لا يستجاب، وقيل: لكل منهم دعوة تخصه لدنياه أو لنفسه، كقول نوح:
لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ، وقول زكريا: فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي، وقول سليمان:
وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي، حكاه ابن التين.
والمراد بهذا الحديث أن كل نبي دعا على أمته بالإهلاك إلا أنا فلم أدع، أعطيت الشفاعة عوضا عن ذلك للصبر على أذاهم، والمراد بالأمة أمة الدعوة لا أمة الإجابة....