للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأهل مكة من طب ورفق وعلم، وكان يلزم صومعة له، ويدخل مكة في كل سنة فيلقي الناس ويقول: يوشك أن يولد فيكم مولود يا أهل مكة، يدين له العرب ويملك العجم، هذا زمانه فمن أدركه واتبعه أصاب حاجته، ومن أدركه وخالفه أخطأ حاجته، وتاللَّه ما تركت الحمر والحمير [والأميّ] [ (١) ] ، ولا حللت بأرض الجوع والبؤس والخوف إلا في طلبه.

فكان لا يولد بمكة مولود إلا يسأل عنه فيقول: ما جاء بعد، فيقال له:

فصفه، فيقول: لا، ويكتم ذلك للذي قد علم أنه لا نبي من قومه مخافة على نفسه أن يكون ذلك داعية إلى أدنى ما يفضي إليه من الأذى يوما.

ولما كان ظهور اليوم الّذي ولد فيه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم خرج عبد اللَّه بن عبد المطلب حتى أتى (عصيا) فوقف في أصل صومعته ثم نادى: يا (عصيا) ، فناداه:

من هذا؟ فقال: أنا عبد اللَّه، فأشرف عليه فقال: كن أباه، فقد ولد ذلك المولود الّذي كنت أحدثكم عليه يوم الإثنين، ويبعث يوم الإثنين، ويموت يوم الإثنين.

قال: فإنه قد ولد لي مع الصبح مولود، قال: فما سميته؟ قال: محمدا، قال: واللَّه لقد كنت أشتهي أن يكون فيكم هذا المولود أهل البيت لثلاث خصال بها نعرفه، فقد أتى عليه منها أن نجمه طلع البارحة، وأنه ولد اليوم، وأن اسمه محمدا، انطلق إليه فإن الّذي كنت أحدثكم عنه ابنك.

قال: فما يمنعك أن تأتيني؟ ولعله لن يولد يومنا هذا مولودون عدة، قال:

قد وافق ابنك الاسم، ولم يكن اللَّه يشبّه علمه على العلماء لأنه حجة، وآية ذلك أنه الآن وجع فيشتكي أياما ثلاثة، يظهر الوجع ثم يعافي، فاحفظ لسانك فإنه لم يحسد حسده أحد قط، ولم يبغ على أحد كما يبغى عليه، وإن تعش حتى تبدو معالمه ثم يدعو يظهر لك من قومك ما لا يحتمله إلا على ذلّ، فاحفظ لسانك ودار عنه.

قال: فما عمره؟ قال: إن طال عمره أو قصر لم يبلغ السبعين، يموت في وتردونها من السنين، في إحدى وستين أو ثلاث وستين، أعمار جلّ أمته، قال:


[ (١) ] كذا في (خ) .