للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: ولما نزل المغمّس جاء مكة أول من جاء بنزوله ابو قحافة ومعمر بن عثمان وعمير بن جدعان، كانوا في إبل عبد اللَّه بن جدعان هناك، فأخبروا الناس، فحف الناس ولحقوا برءوس الجبال وبالشعاب وبطون الأودية.

قال الواقدي: وحدثني سيف بن سليمان قال: سمعت مجاهدا يقول: لما ولّى عبد المطلب من عند أبرهة منصرفا، أمر أبرهة أصحابه بالتهيؤ والتعبئة لإقحامهم الحرم، فعبئوا كتيبة القتال، وصفوا الصفوف، وقدّموا الفيلة كما كانوا يصنعون في الحروب، وقدم صاحب مقدمته الأسود بن مفصود، ووقف أبرهة كما كان يقوم في الحروب، معه وجوه أصحابه قد حفوا به من وجوه الحبشة والعرب ممن قد سار به، وقد أخذت صفوف أقطار الأرض بعضها خلف بعض.

وكان الفيل إذا حملوا لم يسر ويحرن كحران الدابة ويكرّ كرّ الناس، حتى بلغ أبرهة ذلك، فجاء وهو في أصحابه حتى وقف على دابته فجعل يصيح بسائس الفيل فيضربه، فإذا ألح عليه ربض وصخّ [ (١) ] ، فينخس بالرمح ولا ينثني.

قال: وحدثني عبد اللَّه بن عمرو بن زهير عن أبيه، عن عبد اللَّه بن خراش الكعبي عن أبيه قال: أقبل عبد المطلب يومئذ وأقبل أصحاب الفيل، فلما رأى عبد المطلب ما هموا به سار سريعا على فرسه حتى أوفى على حراء، ومعه عمرو بن عائذ بن عمران ابن مخزوم ومطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، ومسعود بن عمرو الثقفي، ينظرون كلما حمل الحبشة الفيل على الحرم ربض، فيقبل الحبشة بحرابهم ورماحهم وعصيهم يطعنونه بها فيقوم، فإذا حملوه على الحرم برك وصاح، وإذا وجهوه من حيث جاء ولّى وله وجيف [ (٢) ] ، وأي وجه شاءوا طاوعهم ما لم يحملوه على الحرم.

قالوا: فبينا عبد المطلب وأصحابه على حراء- وهم يحملون الفيل على الحرم-


[ (١) ] صخّ الصوت الأذن يصخّها صخّا، وفي حديث ابن الزبير وبناء الكعبة: فخاف الناس أن تصيبهم صاخّة من السماء، هي الصيحة التي تصخّ الأسماع، أي تقرعها وتصمها. قال ابن سيده: الصاخة صيحة تصخّ الأذن أي تطعنها فتصمها لشدّتها، ومنه سميت القيامة الصاخة. (لسان العرب) :
٣/ ٣٣، (النهاية) : ٣/ ١٤، وفي (دلائل أبي نعيم) : «برك وصاح» .
[ (٢) ] وجيف: اضطراب من سرعة المشي.