للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومحمد صلّى اللَّه عليه وسلم دعا ربه لما قحطت الأرض فهطلت السماء بدعائه بما منهمر، أغاث اللَّه به العباد والبلاد، فكانت دعوته رحمة وغوثا للأنام، كما كان صلّى اللَّه عليه وسلم رحمة للعالمين وسيأتي خبر استسقائه بطرقه.

وقد لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، يدعوهم ليلا ونهارا، فلم يؤمن به إلا دون المائة، ما بين رجل وامرأة [ (١) ] ، وهم الذين ركبوا معه السفينة، ونبينا محمد صلّى اللَّه عليه وسلم كانت مدة دعائه الناس عشرين سنة، فآمن به أمم لا يحصون، ودانت له جبابرة [الأرض] ، خافت ملوكها ككسرى ملك فارس، وقيصر ملك الروم، والنجاشيّ ملك الحبشة، والمقوقس ملك مصر، وإقبال اليمن وملوك البحرين، وحضر موت، وهجر، وعمان، وغيرهم.

ودانت له بحمل الإتاوة والجزية: أهل نجران، وهجر، وأيلة، وأكيدر، ودومة، لما أيده اللَّه تعالى به من الرعب الّذي ينزله بقلوب أعدائه، حتى فتح الفتوح الجليلة، ودخل الناس في دين اللَّه أفواجا، فأتوا طائعين راغبين، مصدقين له، مؤمنين بما جاء به، فأي كرامة أعظم، وأي منزلة أرفع من هذا؟

وقد خصّ نوحا عليه السلام بأن نحلة اسما من أسمائه تعالى فقال: إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً [ (٢) ] ، وخصّ محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم باسمين من أسمائه الحسنى، جمعهما له، ولم يشركه فيهما [ (٣) ] أحد، قال تعالى: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [ (٤) ] .

هذا مع ما خصه به تعالى من مزيد التشريف والتكريم، حيث خاطبه بصفة من صفات الرفعة والشرف، تقوم مقام الكنية، إذا يقول تعالى مخاطبا له صلّى اللَّه عليه وسلم في كتابه العزيز: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ [ (٥) ] ، يا أَيُّهَا الرَّسُولُ [ (٦) ] ، يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [ (٧) ] ،


[ (١) ] قال تعالى: وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ [هود: ٤٠] .
[ (٢) ] الإسراء: ٣.
[ (٣) ] هما: رءوف، رحيم.
[ (٤) ] التوبة: ١٢٨.
[ (٥) ] الأنفال: ٦٤، ٦٥، ٧٠، التوبة: ٧٣، الأحزاب: ١، ٢٨، ٤٥، ٥٠، ٥٩، الممتحنة:
١٢، الطلاق: ١، التحريم: ١، ٩.
[ (٦) ] المائدة: ٤١، ٦٧.
[ (٧) ] المدثر: ١.