للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شديدا أي حفظة، يعني الملائكة، وشهبا جمع شهاب، وهو انقضاض الكواكب المحرقة لهم عند استراق السمع، وشديدا: من نعت الحرس، أي ملئت ملائكة شدادا، وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ أي من السماء، مقاعد أي مواضع يقعد في مثلها لاستماع الأخبار من السماء، يعني أن مردة الجن كانوا يفعلون ذلك ليستمعوا من الملائكة أخبار السماء حتى يلقوها إلى الكهنة، فحرسها اللَّه حين بعث رسوله محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم بالشهب المحرقة، فقالت الجن حينئذ: فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً، يعني بالشهاب: الكوكب المحرق.

وقيل لم يكن انقضاض الكواكب إلا بعد مبعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وهو آية من آياته، وأنه كان من مبعثه أن رأت قريش النجوم يرمى بها في السماع عشرين يوما، وقد اختلف السلف: هل كانت الشياطين تقذف قبل المبعث؟ أو كان ذلك أمرا حدث لمبعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلم؟ وقيل: كان ذلك قبل المبعث، وإنما زادت بمبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إنذارا بحاله، وهو معنى قوله تعالى: [مُلِئَتْ] [ (١) ] أي زيد في حرسها، وهو قول الأكثرين، وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أي هذا الحرس الّذي حرست به لشر أريد بأهل الأرض أم أراد بهذا ربهم بهم رشدا؟

أي خيرا.

أخرج البخاري في التفسير من حديث سفيان، حدثنا عمرو قال: سمعت عكرمة يقول: سمعت أبا هريرة رضي اللَّه عنه قال: إن نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: إذا قضى اللَّه الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله، كأنه سلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قال للذي قال: الحق وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترق السمع، ومسترق السمع هكذا بعضه [ (٢) ] فوق بعض، ووصف سفيان بكفه فحرفها وبدّد بين أصابعه، فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدرك الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة، فيقال: أليس قد قال يوم كذا وكذا وكذا وكذا؟ فيصدق بتلك الكلمة


[ (١) ] زيادة للسياق والبيان.
[ (٢) ] في (خ) : «بعضهم» .