للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وخرج أبو محمد بن حبان من حديث مروان بن أبي معاوية قال: حدثنا محمد ابن أبي ذؤيب المدني، عن عبد اللَّه بن محمد بن عمر بن حاطب الجمحيّ، عن أبي وجزة يزيد بن عبيد السلمي [ (١) ] قال: لما قفل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من غزوة تبوك، أتاه وفد بني فزارة بضعة عشر رجلا، فيهم: خارجة بن حصن، والجدّ [ (٢) ] ابن قيس- وهو أصغرهم، ابن أخي عيينة بن حصن- فنزلوا في دار رملة بنت الحارث من الأنصار، وقدموا على إبل ضعاف عجاف وهم مسنتون، فأتوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مقرين بالإسلام فسألهم عن بلادهم فقالوا: يا رسول اللَّه أسنتت بلادنا، وأجدب جنابنا، وعريت عيالنا، وهلكت مواشينا، فادع ربك أن يغيثنا وتشفّع لنا إلى ربك ويشفع ربك إليك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سبحان اللَّه!! ويلك، أنا شفعت إلى ربي، فمن ذا الّذي يشفع ربنا إليه، لا إله إلا العظيم، وسع كرسيه السموات والأرض، وهو يئط من عظمته وجلاله كما يئط الرّحل الجديد [ (٣) ] .


[ (١) ] هو يزيد بن عبيد أبو وجزة- بفتح الواو وسكون الجيم بعدها زاي، كما في (التقريب) - السعديّ المدني الشاعر، ذكره ابن حبان في (الثقات) ، وقال الواقدي ومحمد بن عبد اللَّه بن نمير وغيرهما: مات سنة ثلاثين ومائة، وذكره ابن سعد في الطبقة الرابعة، وقال: كان ثقة قليل الحديث، شاعرا عالما، وقال إسحاق بن منصور عن ابن معين: ثقة. وحكى المرزباني قولا: أن اسم أبيه مسلم. (تهذيب التهذيب) : ١١/ ٣٠٥، ترجمة رقم (٥٦٩) .
ويزيد بن عبيد هذا له في (الإحسان بتقريب صحيح ابن حبان) حديثان: رقم (٥٢١١، ٥٢١٥) ، ليس من بينهما هذا الحديث. (الإحسان بتقريب صحيح ابن حبان) : ١٨/ ٢٧٢، فهرس الرواة.
[ (٢) ] في (دلائل البيهقي) : «الحرّ بن قيس» مضبوطة بضم الحاء والراء، وهو خطأ، وما أثبتناه من (خ) ، وابن هشام في (السيرة) ،
والجد بن قيس هذا هو الّذي قال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: يا جدّ، هل لك العام في جلاد بني الأصفر- يعني الروم- فقال: يا رسول اللَّه، أو تأذن لي ولا تفتني؟ فو اللَّه لقد عرف قومي أنه ما من رجل بأشدّ عجبا بالنساء مني، وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا أصبر، فأعرض عنه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقال: قد أذنت لك.
ففي الجدّ بن قيس نزلت هذه الآية: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ [التوبة: ٤٩] ، أي إن كان إنما خشي الفتنة من نساء بني الأصفر، وليس ذلك به فما سقط فيه من الفتنة أكبر، بتخلفه عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، والرغبة بنفسه عن نفسه.
(سيرة ابن هشام) : ٥/ ١٩٥- ١٩٦. غزوة تبوك.
[ (٣) ] إنما هو كلام تقريب، أريد به تقريب عظمة اللَّه عزّ وجلّ، وفي الحديث: العرش على منكب إسرافيل وإنه ليئطّ أطيط الرّحل الجديد، يعني كور الناقة أي أنه ليعجز عن حمله وعظمته، إذ كان-