للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هكذا أورد البخاري- رحمه اللَّه تعالى- هذا الحديث تعليقا، وقد أسنده تقي ابن مخلد فقال: حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا أبو النصر، حدثنا أبو عقيل عبد اللَّه بن عقيل، حدثنا علي بن حمزة، عن عبد اللَّه بن عمر- رضي اللَّه تعالى عنهما- حدثنا سالم عن أبيه- رحمة اللَّه تعالى عليه- قال: ربما ذكرت قول الشاعر وأنا انظر إلى وجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على المنبر يستسقى، فما ينزل- عليه الصلاة والسلام- حتى يجيش كل ميزاب، فأذكر قول الشاعر حيث يقول- وهو قول أبي طالب-:

وأبيض [ (١) ] يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال [ (٢) ] اليتامى عصمة [ (٣) ] للأرامل [ (٤) ]


[ () ] وقوعه. وذكر ابن التين أن في شعر أبي طالب هذا دلالة على أنه كان يعرف نبوة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قبل أن يبعث، لما أخبره بحيرا أو غيره من شأنه.
ومعرفة أبي طالب بنبوة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم جاءت في كثير من الأخبار، وتمسك بها الشيعة في أنه كان مسلما. ورأيت لعلي بن حمزة البصري جزءا جمع فيه شعر أبي طالب، وزعم في أوله أنه كان مسلما، وأنه مات على الإسلام، وأن الحشوية تزعم أنه مات على الكفر، وأنهم لذلك يستجيزون لعنه، ثم بالغ في سبهم والردّ عليهم، واستدل لدعواه بما لا دلالة فيه.
وقد بين الحافظ ابن حجر فساد ذلك كله في:
- ترجمة أبي طالب من كتاب (الإصابة) .
- ترجمة أبي طالب من كتاب مبعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في شرح البخاري، (فتح الباري) : ٢/ ٦٣١ مختصرا.
[ (١) ] قوله: «وأبيض» بفتح الضاد، وهو مجرور بربّ مقدّرة، أو منصوب بإضمار أعنى أو أخص، والراجح أنه بالنصب عطفا على قوله: «سيدا» في البيت الّذي قبله:
وما ترك قوم لا أبا لك سيدا ... يحوط الذمار بين بكر ووائل
[ (٢) ] قوله: «ثمال» بكسر المثلثة وتخفيف الميم: هو العماد، والملجأ، والمطعم، والمعين، والمغيث، والمكافئ، وقد أطلق على كل من ذلك.
[ (٣) ] عصمة: أي يمنعهم مما يضرهم.
[ (٤) ] الأرامل: جمع أرملة، وهي الفقيرة التي لا زوج لها، وقد يستعمل في الرجل أيضا مجازا.
وهذا البيت من أبيات قصيدة طويلة، ذكرها ابن إسحاق في السيرة بطولها، [وهي أكثر من تسعين بيتا] ، أولها:
ولما رأيت القوم لاودّ فيهم ... وقد قطعوا كلّ العرى والوسائل
وآخرها
فإن تك كعب من لؤيّ صقيبة ... فلا بدّ يوما مرة من تزايل
قال ابن هشام بعد أن أوردها كاملة وشرح غريبها: هذا ما صح لي من هذه القصيدة، وبعض أهل العلم بالشعر ينكر أكثرها. (سيرة ابن هشام) : ٢/ ١٠٨- ١١٦، شعر أبي طالب في معاداة خصومه.