للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: فما ردّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يديه حتى التفت السماء بأزواجها، وجاء أهل البطاح يضجون: الغرق ... الغرق، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ حوالينا ولا علينا، فانجاب السحاب عن المدينة حتى أحدق بها كالإكليل، فضحك النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حتى بدت نواجذه، ثم قال: للَّه در أبي طالب، لو كان حيا لقرت عيناه، من ينشدني قوله: فقال علي رضي اللَّه عنه: أنا يا رسول اللَّه، لعلك تريد قوله:

وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل

يطيف به الهلّال من آل هاشم ... فهم عنده في نعمة وفواضل

كذبتم وبيت اللَّه يبزي محمدا ... ولما نقاتل حوله ونناضل

ونسلمه حتى نصرّع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل

فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أجل، فقام رجل من كنانة فقال:

لك الحمد والحمد ممن شكر ... [سقينا بوجه النبي المطر]

فذكر الأبيات، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إن بك شاعرا حسن، فقد أحسنت.

وخرج البخاري- رضي اللَّه عنه ورحمه- من حديث عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن دينار، عن أبيه، سمعت أن عمر يتمثل بشعر أبي طالب يقول:

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل [ (١) ]

وقال عمر بن حمزة: حدثنا سالم عن أبيه، ربما ذكرت قول الشاعر وأنا انظر إلى وجه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يستسقى، فما ينزل حتى يجيش كل ميزاب:

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل

وهو قول أبي طالب [ (٢) ] .


[ (١) ] (فتح الباري) : ٢/ ٦٢٨، كتاب الاستسقاء، باب (٣) سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا، حديث رقم (١٠٠٨) .
[ (٢) ] المرجع السابق، حديث رقم (١٠٠٩) ، قال الحافظ في (الفتح) : قال السهيليّ: فإن قيل: كيف قال أبو طالب: «يستسقى الغمام بوجهه» ، ولم يره قط استسقى، إنما كان ذلك منه بعد الهجرة؟
وأجاب بما حاصله: إن أبا طالب أشار إلى ما وقع في زمن عبد المطلب حيث استسقى لقريش، والنبي صلّى اللَّه عليه وسلم معه غلام.
ويحتمل أن يكون أبو طالب مدحه بذلك لما رأى من مخايل ذلك فيه، وإن لم يشاهد-