للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الواقدي في مغازيه: فلما أجمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم المسير من تبوك أرمل الناس إرمالا شديدا فشخص على ذلك الحال حتى جاء الناس إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يستأذنونه أن ينحروا ركابهم فيأكلوها، فأذن لهم، فلقيهم عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه وهم على نحرها، فأمرهم أن يمسكوا عن نحرها، ثم دخل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في خيمة له فقال: أذنت للناس في نحر [حمولتهم يأكلونها] [ (١) ] ؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: شكوا إلى ما بلغ منهم من الجوع، فأذنت لهم ينحر الرفقة البعير والبعيرين، ويتعاقبون فيما فضل من ظهرهم وهم قافلون إلى أهليهم،

قال: يا رسول اللَّه! لا تفعل، فإن يك في الناس فضل من ظهر يكون خيرا، فالظهر اليوم رقاق [ (٢) ] ، ولكن ادع بفضل أزوادهم ثم اجمعها، فادع فيها بالبركة، كما فعلت في منصرفنا من الحديبيّة حيث أرملنا، فإن اللَّه سبحانه وتعالى مستجيب لك.

فنادى منادي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: من كان عنده فضل زاد فليأت به، وأمر بالأنطاع فبسطت، فجعل الرجل يأتي بالمد الدقيق والسويق أو التمر، أو القبضة من الدقيق والسويق والتمر والكسر، فيوضع كل صنف من ذلك على حدة، وكل ذلك قليل، فكان جميع ما جاءوا به من الدقيق والسويق والتمر ثلاثة أفراق [ (٣) ] حرزا [ (٤) ] ، ثم قام فتوضأ وصلى ركعتين، ثم دعا اللَّه تعالى أن يبارك فيه.

فكان أربعة من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يحدثون جميعا حديثا واحدا، حضروا ذلك وعاينوه: أبو هريرة، وأبو حميدي الساعدي، وأبو زرعة الجهنيّ معبد بن خالد، وسهل بن سعد الساعدي، قالوا: ثم انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فنادى مناديه [هلموا] [ (١) ] إلى الطعام خذوا منه حاجتكم.

فأقبل الناس فجعل كل من جاء بوعاء ملأه، فقال بعضهم: لقد طرحت يومئذ كسرة من خبز، وقبضة من تمر، ولقد رأيت الأنطاع تفيض، وجئت بجرابين فملأت أحدهما سويقا والآخر خبزا، وأخذت في ثوبي دقيقا ما كفاني إلى المدينة،


[ (١) ] زيادة للسياق من (مغازي الواقدي) .
[ (٢) ] رقاق: جمع رقيق أي ضعيف.
[ (٣) ] الأفراق: جمع فرق، وهو مكيال بالمدينة يسع ثلاثة آصع، أو يسع ستة عشر رطلا أو أربعة أرباع.
[ (٤) ] الحرز: التقدير والخرص.