للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب


[ () ] أبى طالب أبو طالب نفسه، وهو إطلاق سائغ كقوله في أبى موسى: «إنه أوتى مزمارا من مزامير آل داود،
وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «آل أبى أوفى» ،
وخصه بالذكر مبالغة في الانتفاء ممن لم يسلم، لكونه عمّه، وشقيق أبيه، وكان القيم بأمره، ونصره، وحمايته، ومع ذلك فلما لم يتابع على دينه انتفى من موالاته.
قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «إنما ولى اللَّه وصالح المؤمنين» ،
كذا للأكثر بالإفراد وإرادة الجملة، وهو اسم جنس- ووقع في رواية البرقاني: «وصالحوا المؤمنين بصيغة الجمع وقد أجاز بعض المفسرين أن الآية التي في التحريم كانت في الأصل: فإن اللَّه هو مولاه وجبريل [وصالحوا] المؤمنين لكن حذفت الواو من الخط على وفق النطق، وهو مثل قوله تعالى: سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ وقوله تعالى: يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ، وقوله تعالى:
وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ.
وقال النووي: معنى الحديث أن وليي من كان صالحا وإن بعد منى نسبه، وليس وليي من كان غير صالح وإن قرب منى نسبه. وقال القرطبي: فائدة الحديث انقطاع الولاية في الدين بين المسلم والكافر، ولو كان قريبا حميما.
وقال ابن بطال: أوجب في هذا الحديث الولاية بالدين، ونفاها عن أهل رحمه إن لم يكونوا من أهل دينه، فدلّ ذلك على أن النسب يحتاج إلى الولاية التي يقع بها الموارثة بين المتناسبين، وأن الأقارب إذا لم يكونوا على دين واحد، لم يكن بينهم توارث ولا ولاية.
قال: ويستفاد من هذا أن الرحم المأمور بصلتها، والمتوعد على قطعها، هي التي شرع لها ذلك فأما من أمر بقطعه من أجل الدين فيستثنى من ذلك ولا يلحق بالوعيد من قطعه، لأنه قطع من أمر اللَّه بقطعه لكن لو وصلوا بما يباح من أمر الدنيا لكان فضلا، كما دعا صلّى اللَّه عليه وسلّم لقريش بعد أن كانوا كذبوه فدعا لهم. قلت: ويتعقب كلامه في موضعين:
أحدهما: يشاركه فيه كلام غيره، وهو قصره النفي على من ليس على الدين، وظاهر الحديث أن من كان غير صالح في أعمال الدين دخل في النفي أيضا لتقييده الولاية بقوله: وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ.
والثاني: أن صلة الرحم الكافر، ينبغي تقيدها بما إذا أيس منه رجوعا عن الكفر، أو رجى أن يخرج من صلبه مسلم كما في الصورة التي استدل بها، وهي دعاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لقريش بالخصب، وعلل بنحو ذلك، فيحتاج من يترخص في صلة رحمه الكافر أن يقصد إلى شيء من ذلك وأما من كان على الدين ولكنه مقصّر في الأعمال مثلا فلا يشارك الكافر في ذلك.
وقد وقع في (شرح المشكاة) : المعنى أنى لا أوالي أحدا بالقرابة، وإنما أحب اللَّه تعالى لما له من الحق الواجب على العباد، وأحب صالح المؤمنين لوجه اللَّه تعالى، وأوالي من أوالي بالإيمان والصلاح- سواء كان من ذوى رحم أو لا، ولكنى أرعى لذوي الرحم حقهم لصلة الرحم.
وقد اختلف أهل التأويل في المراد بقوله تعالى: وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ على أقوال: أحدها: الأنبياء، أخرجه الطبري- وابن أبى حاتم عن قتادة، وذكره ابن أبى حاتم عن سفيان الثوري، وأخرجه النقاش عن العلاء بن زياد.
الثاني: الصحابة، أخرجه ابن أبى حاتم عن السدي، ونحوه في تفسير الكلبي، قال: هم أبو بكر، وعمر وعثمان وعلى، وأشباههم ممن ليس بمنافق.
الثالث: خيار المؤمنين، أخرجه ابن أبى حاتم عن الضحاك.
الرابع: أبو بكر، وعمر، وعثمان، أخرجه ابن أبى حاتم عن الحسن البصريّ.