وفي ذكر عيسى هنا دليل على أن البنت داخلة في الذرية، وذلك أنه تعالى شك عيسى وسائر الأنبياء المذكورين معه في كونهم من ذرية إبراهيم، مع أن عيسى إنما ينتمى إليه من جهة أمه، فدلّ على ما قلناه. واللَّه أعلم.
والقول الثاني: أنهم لا يدخلون، وهو مذهب أبي حنيفة وأحد قولي أحمد، وحجتهم أن ولد البنات إنما ينسبون إلى آبائهم حقيقة، فإن الهذلي والتيمي والعدوىّ إذا أولد هاشمية لم يكن ولده هاشميا، لأن الولد في النسب يتبع أباه، بخلاف الرّقّ والحرية والدين فإنه يتبع أمه، وقد قيل:
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا ... بنوهن أبناء الرجال الأباعد
ولو وصى أو وقف على قبيلة لم يدخل فيها أولاد بناتها من غيرها، وأما دخول أولاد فاطمة رضى اللَّه عنها في ذرية النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فلشرف هذا الأصل العظيم، والوالد الكريم، الّذي لا يدانيه أحد من العالمين، سرى ونفد إلى أولاد البنات لقوته وجلالته وعظم قدره.
وأما دخول عيسى في ذرية إبراهيم عليه السّلام، فإن المسيح لا أب له حتى يرجع إليه، فقامت أمه مقام أبيه، فنسبه اللَّه تعالى إليها، وهكذا كل من انقطع نسبه من جهة أبيه- إما بلعان أو غيره- قامت أمه في النسب مقام أبيه، وكذا في العصبة والولاء، كما هو مذكور في موضعه من كتب الفقه، واللَّه أعلم.