للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وقال: إنها سيئة الخلق، واستأمره في طلاقها، فقال له:

أمسك عليك زوجك يا زيد، ورآها صلّى اللَّه عليه وسلم فأعجبته، ثم إن زيدا ضاق ذرعا بما رأى من سوء خلقها، فطلقها [ (١) ] ، فزوجها اللَّه بنبيه حين انقضت عدتها، بغير مهر، ولا تولى أمرها أحد كسائر أزواجه.

وذكر ابن إسحاق أن [أخاها أحمد] بن جحش زوّجها، وأنه صلّى اللَّه عليه وسلم أصدقها أربعمائة درهم، وأولم عليها بشاة واحدة، ودعا الناس في صبيحة عرسها فطعموا، ثم جلسوا يتحدثون ولم يقوموا، فآذوا النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فأنزل اللَّه تعالى آية الحجاب، وأنزل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ [ (٢) ] ، أي بلوغه ... الآية،


[ (١) ]
قال أبو حيان الأندلسى: فجاء زيد فقال: يا رسول اللَّه، إني أريد أن أفارق صاحبتي، فقال صلّى اللَّه عليه وسلم:
أرابك منها شيء؟ قال: لا واللَّه، ولكنها تعظم عليّ لشرفها، وتؤذيني بلسانها، فقال: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ، أي لا تطلقها، وهو أمر ندب، وَاتَّقِ اللَّهَ في معاشرتها، فطلقها، وتزوجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بعد انقضاء عدتها،
وعلل تزويجه إياها بقوله: لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ في أن يتزوجوا زوجات من كانوا يتبنوه إذا فارقوهن، وأن هؤلاء الزوجات ليست داخلات فيما حرّم في قوله:
وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ، [النساء: ٢٣] (البحر المحيط) : ٨/ ٤٨١.
وقال على بن الحسين: كان قد أوحى اللَّه إليه أن زيدا سيطلقها، وأنه يتزوجها بتزويج اللَّه إياها، فلما شكا زيد خلقها، وأنها لا تطيعه، وأعلمه بأنه يريد طلاقها، قال له: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ، على طريق الأدب والوصية، وهو يعلم أنه سيطلقها، وهذا هو الّذي أخفى في نفسه، ولم يرد أنه يأمره بالطلاق، ولما علم من أنه سيطلقها، وخشي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إن يلحقه قول من الناس في أن يتزوج زينب بعد زيد، وهو مولاه، أمره بطلاقها، فعاتبه اللَّه على هذا القدر في شيء قد أباحه اللَّه بأن قال: أَمْسِكْ، مع علمه أن يطلق، فأعلمه أن اللَّه أحق بالخشية، أي في كل حال، (المرجع السابق) : ٤٨٢.
وهذا المروي عن على بن الحسين، هو الّذي عليه أهل التحقيق من المفسرين، كالزهرى، وبكر بن العلاء، والقشيري، والقاضي أبى بكر بن العربيّ، وغيرهم. والمراد بقوله: وَتَخْشَى النَّاسَ، إنما هو إرجاف المنافقين في تزويج نساء الأبناء، والنبي صلّى اللَّه عليه وسلم معصوم في حركاته وسكناته. ولبعض المفسرين كلام في الآية، يقتضي النقص من منصب النبوة، ضربنا عنه صفحا (المرجع السابق) : ٤٨٢.
وروى أبو عصمة: نوح بن أبى مريم، بإسناد رفعه إلى زينب أنها قالت: ما كنت أمتنع منه، غير أن اللَّه منعني منه، وقيل: إنه منذر تزوجها لم يتمكن من الاستمتاع بها. وروى أنه كان يتورم ذلك منه حين يريد أن يقربها. (المرجع السابق) : ٤٨٣.
[ (٢) ] الأحزاب: ٥٣.