للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقدم رجل من هذيل يقال له عمرو بغنم له، فباعها، ورآه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فأخبره بالحق ودعاه إليه، فقال له أبو جهل- وكان خفيفا حديد الوجه، ونظر به حوله فقال: انظر إلى ما دعاك إليه هذا الرجل، فإياك أن تركن إلى قوله فيه، أو تسمع منه شيئا، فإنه قد سفّه أحلامنا، وزعم أن من مات منا كافرا يدخل النار بعد الموت وما أعجب ما يأتى به، قال: أفما تخرجونه من أرضكم؟ قال: لئن خرج من بين أظهرنا فيسمع كلامه وحلاوة لسانه قوم أحداث ليتبعنه، ثم لا نأمن أن يكر علينا بهم، قال: فأين أسرته عنه؟ قال:

إنما أمتنع بأسرته، ثم أسلم هذا الهذيلى يوم الفتح.

وقدم رجل من أراش بإبل له مكة، فباعها من أبى جهل [ (١) ] ، فمطله بأثمانها، فوقف الرجل على ناد [ (٢) ] [من] قريش فقال: يا معشر قريش! إني رجل غريب ابن سبيل، وإن أبا الحكم ابتاع مني ظهرا فمطلني بثمنه وجلسنى به حتى شقّ عليّ، فمن رجل يقوم معى فيأخذ لي حقي منه،

وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم جالسا في عرض المسجد، فقالوا وهم يهزءون: أترى الرجل الجالس؟ انطلق إليه يأخذ لك بحقك، فأتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال: يا


[ () ] ومن الثانية مزيدة للاستغراق، أي وما هم بحاملين شيئا من خطيئاتهم التي التزموا بها، وضمنوا لهم حملها، ثم وصفهم اللَّه تعالى بالكذب في هذا التحمل، فقال: إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ فيما ضمنوا به من حمل خطاياهم.
قال المهدوى: هذا التكذيب لهم من اللَّه عزّ وجل حمل على المعنى، لأن المعنى: إن اتبعتم سبيلنا حملنا خطاياكم، فلما كان الأمر يرجع في المعنى إلى الخبر، أوقع عليه التكذيب، كما يوقع على الخبر.
قوله تعالى: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ أي أوزارهم التي عملوها، والتعبير عنها بالأثقال للإيذان بأنها ذنوب عظيمة، وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ أي أوزارا مع أوزارهم، وهي أوزار من أضلوهم وأخرجوهم عن الهدى إلى الضلالة، ومثله
قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: من سنّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها، كما في حديث أبى هريرة، الثابت في (صحيح مسلم) وغيره. (فتح البيان) : ٧/ ١٩٤.
[ (١) ] كذا في (خ) ، وفي (دلائل أبى نعيم) : «فابتاعها منه أبو جهل بن هشام» .
[ (٢) ] في (خ) : «نادى» .