كما أشار التفتازاني في مبحث العلميّة من شرح (المفتاح) ، وأنشد قول الشاعر: قصدت أبا المحاسن كي أراه ... لشوق كان يجذبني إليه فلما أن رأيت رأيت فرنا ... ولم أر من بنيه ابنا لديه قوله تعالى: ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ: استئناف ابتدائى للانتقال من إنشاء الشتم والتوبيخ إلى الإعلام بأنه آيس من النجاة من هذا التباب، ولا يغنيه ماله ولا كسبه، أي لا يغنى عنه ذلك في دفع شيء عنه في الآخرة، والتعبير بالماضي في قوله: ما أَغْنى لتحقيق وقوع عدم الإغناء. والمال: المتملكات المتمولة، وغلب عند العرب إطلاقه على الإبل، ومن كلام عمر رضى اللَّه عنه: «لولا المال الّذي أحمل عليه في سبيل اللَّه» ... في اتقاء دعوة المظلوم من (الموطأ) . وأهل المدينة، وخيبر، والبحرين، يغلب عندهم على النخيل. وروى عن ابن مسعود أن أبا لهب قال: «إن كان ما يقول ابن أخى حقا، فأنا أفتدي نفسي يوم القيامة بمالي وولدى» ، فأنزل اللَّه تعالى: ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ، وقال ابن عباس: ما كَسَبَ، هو ولده، الولد من كسب أبيه. قوله تعالى: سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ، بيان لجملة ما أغنى عنه ماله وما كسب، أي لا يغنى عنه شيء من عذاب جهنم. ونزل هذا القرآن في حياة أبى لهب، وقد مات بعد ذلك كافرا، فكانت هذه الآية إعلاما بأنه لا يسلم، وكانت من دلائل النبوة. ووصف النار ب ذاتَ لَهَبٍ، لزيادة تقرير المناسبة بين اسمه وبين كفره، إذ هو أبو لهب، والنار ذات لهب. وبين لفظي لهب الأول ولهب الثاني، الجناس التام. قوله تعالى: وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ، أعقب ذم أبى لهب ووعيده بمثل ذلك لامرأته، لأنها كانت تشاركه في أذى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وتعين عليه. وامرأته: أي زوجته، قال تعالى في قصة إبراهيم: وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ. وفي قصة لوط: إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ، وفي قصة نسوة يوسف: امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ.