فكفوا عن الوجد الّذي قد شجاكم ... ولا تعملوا في الأرض نصّ الأباعر
فإنّي بحمد اللَّه في خير أسرة ... كرام معدّ كابرا بعد كابر
فانطلق الكلبيون فأعلموا أباه فقال: ابني ورب الكعبة! ووصفوا له موضعه وعند من هو، فخرج حارثة وكعب ابنا شراحيل لفدائه،
وقدما مكة، فسألا عن النبي، فقيل: فهو في المسجد، فدخلا عليه فقالا:[يا ابن عبد اللَّه] [ (١) ] ، يا ابن عبد المطلب، يا ابن هاشم، يا ابن سيد قومه، أنتم أهل حرم اللَّه وجيرانه تفكون العاني، وتطعمون الأسير، جئناك في ابننا عندك، فامنن علينا، وأحسن إلينا في فدائه، [فإنا سنرفع لك في الفداء] قال: من هو؟ قالوا: زيد بن حارثة، فقال [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] :
فهلا غير ذلك؟ قالوا: وما هو؟ قال: ادعوه فأخيّره، فإن اختاركم فهو لكم [بغير فداء] ، وإن اختارني فو اللَّه ما أنا بالذي أختار على من اختارني [أحدا] ، قالا: قد زدتنا على النّصف، وأحسنت، فدعاه فقال: هل تعرف هؤلاء؟ قال: نعم، قال: من هذا؟ قال: هذا أبى، وهذا عمى، قال: فأنا من قد علمت ورأيت صحبتي لك، فاخترنى واخترهما، [فقال زيد] : ما أنا بالذي اختار عليك أحدا، أنت منى [مكان] الأب والعم، فقالا: ويحك يا زيد! أختار العبوديّة على الحرية، وعلى أبيك وعمك وعلى أهل بيتك! قال: نعم، إني قد رأيت من هذا الرجل شيئا ما أنا بالذي أختار عليه أحدا أبدا.