كلاهما عن أنس بن مالك، والحديث الأول صحيح، والثاني إسناده حسن، وظاهر الحديث يخالف المشهور من حديث أنس، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم لم يخضب، والجمع بين هذه الأحاديث بحمل الخضاب هنا على تغير لون الشعر من الطيب ونحوه، لا على الخضاب بالحناء، كما جاء في (طبقات ابن سعد) : ١/ ٤٣٦، من حديث ربيعة بن أبى عبد الرحمن، قال: رأست شعرا من شعره يعنى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فإذا هو أحمر، فسألت عنه فقيل لي: احمرّ من الطيب، ونحو هذا ما رواه الحاكم في (المستدرك) : ٢/ ٦٦٣- ٦٦٤، كتاب تواريخ المتقدمين من الأنبياء والمرسلين، حديث رقم (٤٢٠١) ، وقال في (التلخيص) : صحيح، من حديث عبد اللَّه بن محمد بن عقيل، وفيه: وإنما هذا الّذي لوّن من الطيب الّذي كان يطيب شعر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. وهذا الجمع لطرق حديث أنس أولى من الحكم على حديث حميد وابن عقيل بالشذوذ، لأن إعمال الحديث أولى من إهماله. وبذلك تتفق الروايات عن أنس. ولكن يشكل على هذا الجمع ما ثبت عنه صلى اللَّه عليه وسلم: أنه كان يخضب، كما في حديث أم سلمة، وأبى رمثة، وغيرهما، والجواب على هذا: أن المثبت مقدم على النافي، لأن معه زيادة علم، والزيادة من الثقة مقبولة. ويمكن الجمع بما قاله النووي رحمه اللَّه: والمختار أنه صلى اللَّه عليه وسلم خضب في وقت، دل عليه حديث ابن عمر في الصحيحين، وتركه في معظم الأوقات، فأخبر كل بما رأى وهو صادق، واللَّه تعالى أعلم.