والثاني: لتكون خلواته مع ما يشاهدها من نسائه، فيزول عنه ما يرميه به المشركون من أنه ساحر أو شاعر، فيكون تحبيبهن إليه على وجه اللطف به، وعلى القول الأول على وجه الابتلاء، وعلى القولين فهو له فضيلة. وقال التستري في (شرح الأربعين) : من في هذا الحديث بمعنى: في، لأن هذه من الدين لا من الدنيا، وإن كانت فيها، والإضافة في رواية دنياكم للإيذان بأن لا علاقة له بها. وفي هذا الحديث إشارة إلى وفائه صلى اللَّه عليه وسلم، بأصلي الدين، وهما التعظيم لأمر اللَّه، والشفقة على خلق اللَّه، وهو كمالا قوّتيه النظرية والعملية، فإن كمال الأولى بمعرفة اللَّه والتعظيم دليل عليها، لأنه لا يتحقق بدونها، والصلاة لكونها مناجاة اللَّه تعالى، على ما قال صلى اللَّه عليه وسلم: المصلى يناجي ربه، نتيجة التعظيم على ما يلوح من أركانها ووظائفها. وكمال الثانية في الشفقة وحسن المعاملة مع الخلق، وأولى الخلق بالشفقة بالنسبة إلى كل واحد من الناس نفسه وبدنه، كما قال صلى اللَّه عليه وسلم: ابدأ بنفسك ثم بمن تعول، والطيب أخصّ الذات بالنفس ومباشرة النساء ألذّ الأشياء بالنسبة إلى البدن، مع ما يتضمن من حفظ الصحة وبقاء النسل المستمر لنظام الوجود. ثم إن معاملة النساء أصعب من معاملة الرجال، لأنهن أرق دينا وأضعف عقلا، وأضيق خلقا، كما قال صلى اللَّه عليه وسلم: ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبّ الرجل الحازم من إحداكن. فهو عليه السلام أحسن معاملتهن بحيث عوتب بقوله تعالى: تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ، وكان صدور ذلك منه طبعا لا تكلفا، كما يفعل الرجل ما يحبه من الأفعال. فإذا كانت معاملته صلى اللَّه عليه وسلم معهن هذا، فما ظنك بمعاملته مع الرجال، الذين هم أكمل عقلا، وأمثل دينا، وأحسن خلقا. وقوله: وجعلت قرة عيني في الصلاة، إشارة إلى أن كمال القوة النظرية أهم عنده وأشرف في نفس الأمر، وأما تأخيره فللتدرج التعليمي من الأدنى إلى الأعلى، وقدم الطيب على النساء لتقدم حظ النفس على حظ البدن في الشرف. وقال الحكيم الترمذي في (نوادر الأصول) : الأنبياء زيدوا في النكاح لفضل نبوتهم، وذلك أن النور إذا امتلأ من الصدر ففاض في العروق التذت النفس والعروق فأثار الشهوة وقوّاها. وروى عن سعيد بن المسيب أن النبيين عليهم الصلاة والسلام يفضلون بالجماع على الناس. وروى عن سعيد بن المسيب أن النبيين عليهم الصلاة والسلام يفضلون بالجماع على الناس. وروى عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال: أعطيت قوة أربعين رجلا في البطش والنكاح، وأعطى المؤمن قوّة