قال العلامة ابن القيم: وهذا الحديث فيه معنى لغويّ، ومعنى طبىّ، فأما المعنى اللغويّ: فدليل على جواز تسمية هذا المرض بعرق النّسا خلافا لمن منع هذه التسمية، وقال: النّسا هو العرق نفسه فيكون من باب إضافة الشيء إلى نفسه، وهو ممتنع. وجواب هذا القائل من وجهين، أحدهما: أن العرق أعم من النّسا، فهو من باب إضافة العام إلى الخاص، نحو: كل الدراهم أو بعضها. الثاني: أن النسا: هو المرض الحالّ بالعرق، والإضافة فيه من باب إضافة الشيء إلى محله وموضعه. قيل: وسمّى بذلك لأن ألمه ينسى ما سواه من وهذا العرق ممتد من مفصل الورك، وينتهى إلى آخر القدم وراء الكعب من الجانب الوحشي، فيما بين عظم الساق والوتر. وأما المعنى الطبي: فقد تقدم أن كلام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نوعان: أحدهما: عام بحسب الأزمان، والأماكن، والأشخاص، والأحوال. والثاني: خاص بحسب هذه الأمور أو بعضها، وهذا من هذا القسم، فإن هذا خطاب للعرب، وأهل الحجاز، ومن جاورهم، ولا سيما أعراب البوادي، فإن هذا العلاج من أنفع العلاج لهم، فإن هذا المرض يحدث من يبس، وقد يحدث من مادة غليظة لزجة، فعلاجها بالإسهال، والألية فيها الخاصيتان: الإنضاج، والتليين، ففيها الإنضاج والإخراج. وهذا المرض يحتاج علاجه إلى هذين الأمرين، وفي تعيين الشاة الأعرابية لقلة فضولها، وصغر مقدارها، ولطف جوهرها، وخاصية مرعاها، لأنها ترعى أعشاب البرّ الحارة، كالشيح، والقيصوم، ونحوهما، وهذه النباتات إذا تغذى بها الحيوان صار في لحمه من طبعها بعد أن يلطفها تغذية بها، ويكسبها مزاجا ألطف منها، ولا سيما الألية. وظهور فعل هذه النباتات في اللبن أقوى منه في اللحم، ولكن الخاصية التي في الألية من الإنضاج والتليين لا توجد في اللبن، وهذا كما تقدم أن أدوية غالب الأمم والبوادي هي الأدوية المفردة، وعليه أطباء الهند. وأما الروم واليونان فيعتنون بالمركّبة، وهم متفقون كلهم على أن من مهارة الطبيب أن يداوي بالغذاء، فإن عجز فبالمفرد، فإن عجز، فبما كان أقلّ تركيبا. وقد تقدم أنّ غالب عادات العرب وأهل البوادي الأمراض البسيطة، فالأدوية البسيطة تناسبها،