قال القاضي عياض: فإن قلت: فقد جاءت الأخبار الصحيحة أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم سحر كما حدثنا الشيخ أبو محمد العتّابيّ بقراءتي عليه، قال: أخبرنا حاتم بن محمد، أخبرنا أبو الحسن على بن خلف، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا البخاري [بسنده] عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: «سحر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى إنه ليخيل إليه أنه فعل الشيء وما فعله» . وفي رواية أخرى: «حتى كان يخيل إليه أنه كان يأتى النساء ولا يأتيهن» . وإذا كان هذا من التباس الأمر على المسحور، فكيف حال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في ذلك، وكيف جاز عليه، وهو معصوم؟ فاعلم- وفقنا اللَّه وإياك- أن هذا الحديث صحيح متفق عليه، وقد طعنت فيه الملحدة، وتذرعت به لسخف عقولها، وتلبيسها على أمثالها في التشكيك في الشرع. وقد نزه اللَّه تعالى الشرع والنبي عما يدخل في أمره لبسا، وإنما السحر مرض من الأمراض، وعارض من العلل، يجوز عليه كأنواع الأمراض، مما لا ينكر ولا يقدح في نبوته. وأما ما ورد أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم، كان يخيل إليه أنه فعل الشيء ولا يفعله، فليس في هذا ما يدخل عليه داخلة في شيء من تبليغه، أو شريعته، أو يقدح في صدقه، لقيام الدليل والإجماع على عصمته من هذا، وإنما هذا فيما يجوز طروؤه عليه في دنياه التي لم يبعث بسببها، ولا فصّل من أجلها، وهو فيها عرضة للآفات كسائر البشر، فغير بعيد أن يخيل إليه من أمورها ما لا حقيقة له، ثم ينجلي عنه كما كان. (الشفا) : ٢/ ١٦٠- ١٦١. والمشط: معروف، والمشاطة: هي الشعر الّذي يسقط من الرأس أو اللحية عند تسريحه، والجفّ: وعاء طلع النخل، وهو الغشاء الّذي يكون عليه، ويطلق على الذكر والأنثى، ولذا قيده في الحديث بقوله: «طلعة ذكر» . قال العلامة ابن القيم: ومن أنفع علاجات السحر الأدوية الإلهية، بل هي أدويته النافعة بالذات، فإنه من تأثيرات الأرواح الخبيثة السفلية، ودفع تأثيرها يكون بما يعارضها ويقاومها من الأذكار، والآيات، والدعوات التي تبطل فعلها وتأثيرها، وكلما كانت أقوى وأشدّ، كانت أبلغ في النّشرة [ضرب من الرقية والعلاج، يعالج به من كان يظن أن به مسا من الجن، سميت نشرة، لأنه ينشّر بها عنه ما ضاره من الداء] . وذلك بمنزلة التقاء جيشين، مع كل واحد منهما عدته وسلاحه، فأيهما غلب الآخر قهره، وكان الحكم له، فالقلب إذا كان ممتلئا من اللَّه مغمورا بذكره، وله من التوجهات، والدعوات، والأذكار،