والأقصى: أي الأبعد، والمراد بعده عن مكة، بقرينة جعله نهاية الإسراء من المسجد الحرام، وهو وصف كاشف اقتضاه هنا زيادة التنبيه على معجزة هذا الإسراء، وكونه خارقا للعادة لكونه قطع مسافة طويلة في بعض ليلة. وبهذا الوصف الوارد له في القرآن صار مجموع الوصف والموصوف علما بالغلبة على مسجد بيت المقدس، كما كان المسجد الحرام علما بالغلبة على مسجد مكة. وفي هذا الوصف بصيغة التفضيل باعتبار أصل وضعها معجزة خفيّة من معجزات القرآن، إيماء إلى أنه سيكون بين المسجدين مسجد عظيم، هو مسجد طيبة، الّذي هو قصي عن المسجد الحرام، فيكون مسجد بيت المقدس أقصى منه حينئذ. فتكون الآية مشيرة إلى جميع المساجد الثلاثة المفضلة في الإسلام على جميع المساجد الإسلامية، والتي بينها قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجد الحرام، ومسجد الأقصى، ومسجدي» . والمسجد الأقصى هو ثانى مسجد بناه إبراهيم عليه السلام، كما ورد ذلك عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: ففي الصحيحين عن أبى ذر قال: قلت يا رسول اللَّه، أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: المسجد الحرام، قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة. فهذا الخبر قد بين أن المسجد الأقصى من بناء إبراهيم، لأنه حدّد بمدة هي من مدة حياة إبراهيم عليه السلام، وقد قرن ذكره بذكر المسجد الحرام. وهذا مما أهمل أهل الكتاب ذكره، وهو ما خصّ اللَّه تعالى نبيه بمعرفته، والتوراة تشهد له، فقد جاء في سفر التكوين في الإصحاح الثاني عشر: أن إبراهيم لما دخل أرض كنعان [وهي بلاد فلسطين] ، نصب خيمته في الجبل شرقىّ بيت إيل [بيت إيل مدينة على بعد أحد عشر ميلا من أورشليم إلى الشمال، وهو بلد كان اسمه عند الفلسطينيين «لوزا» فسماه يعقوب: «بيت إيل، كما في الإصحاح الثامن والعشرين من سفر التكوين] وغربىّ بلاد عاى [مدينة عبرانية تعرف الآن «الطيبة» ] وبنى هنالك مذبحا للرب (تفسير التحرير والتنوير) : ١٥/ ١٦، (العهد القديم) : ٤٥، سفر التكوين، الإصحاح الثامن والعشرون، عدد (١٩) .