للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المقدس، والمعراج كان في ليلة واحدة من غير نوم، ويؤيد ذلك: أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما أخبر به، كذبه المشركون، وارتد جماعة ممّن أسلم! ولو كان مناما لم يستنكر لمن هو بمكة، أن يرى نفسه ببيت المقدس، وقد يرى الإنسان أعظم من ذلك، فيحدّث به، فلا ينكر عليه.

وقد اختلف الصحابة [رضى اللَّه عنهم] في رؤيته عليه الصلاة والسلام ربّه [ (١) ] ، [سبحانه و] تعالى، في ليلة الإسراء، حتى قالت عائشة رضى اللَّه


[ (١) ] قال القاضي عياض: وأما رؤيته صلّى اللَّه عليه وسلّم لربه جلّ وعزّ، فاختلف السلف فيها، فأنكرته عائشة رضى اللَّه عنها: حدثنا أبو الحسين سراج بن عبد الملك الحافظ بقراءتي عليه، قال: حدثني أبى وأبو عبد اللَّه ابن عتّاب الفقيه، قالا: حدثنا القاضي يونس بن مغيث، حدثنا أبو الفضل الصقلى، حدثنا ثابت ابن قاسم، عن أبيه وجده، قالا: حدثنا عبد اللَّه بن على، حدثنا محمود بن أدم، حدثنا وكيع، عن ابن أبى خالد، عن عامر، عن مسروق، أنه قال لعائشة رضى اللَّه عنها: يا أم المؤمنين، هل رأى محمد ربّه؟ فقالت: لقد قفّ شعرى مما قلت- ثلاث من حدثك بهن فقد كذب: من حدثك أن محمدا رأى ربّه فقد كذب، ثم قرأت: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ، وذكر الحديث.
وقال جماعة بقول عائشة رضى اللَّه عنها، وهو المشهور عن ابن مسعود، ومثله عن أبى هريرة أنه قال: إنما رأى جبريل، واختلف عنه، وقال بإنكار هذا وامتناع رؤيته في الدنيا جماعة من المحدّثين والفقهاء والمتكلمين.
وعن ابن عباس رضى اللَّه عنهما: أنه رآه بعينه، وروى عطاء عنه أنه رآه بقلبه، وعن أبى العالية عنه: رآه بفؤاده مرتين، وذكر ابن إسحاق أن ابن عمر أرسل إلى ابن عباس رضى اللَّه عنهما يسأله:
هل رأى محمد ربه؟ فقال: نعم، والأشهر عنه أنه رأى ربه بعينه، روى ذلك عنه من طرق وقال: إن اللَّه تعالى اختص موسى بالكلام، وإبراهيم بالخلة، ومحمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم بالرؤية، وحجته قوله تعالى: ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى * أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى [النجم: ١١- ٣١] .
قال الماوردي: قيل: إن اللَّه تعالى قسم كلامه ورؤيته بين موسى ومحمد صلّى اللَّه عليهما وسلّم، فرآه محمد مرتين، وكلمه موسى مرتين.
وحكى أبو الفتح الرازيّ، وأبو الليث السمر قندى الحكاية عن كعب، وروى عبد اللَّه بن الحارث قال: اجتمع ابن عباس وكعب، فقال ابن عباس، أما نحن بنو هاشم فنقول: إن محمدا قد رأى ربه مرتين، فكبّر كعب حتى جاوبته الجبال، وقال: إن اللَّه قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى، فكلمه موسى، ورآه محمد بقلبه.