وزعم من قال: إن الإسراء إلى بيت المقدس، كان يقظة بجسده صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأن الإسراء إلى السموات كان مناما بروحه، [عليه الصلاة والسلام] ، أن المشركين إنما استبعدوا، وأنكروا، وشنعوا قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه [عليه الصلاة والسلام] أتى بيت المقدس ورجع من ليلته، ولو كان صعوده صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى السموات منضما إلى ذلك، لكان الاستبعاد أكبر، والشناعة به أتم، [واللَّه سبحانه وتعالى أعلم] ، فحيث لم يذكروا ذلك البتة، علم أن النبي عليه السلام، إنما ادعى أنه أسرى بجسده إلى بيت المقدس فحسب، والعروج به إلى السموات كان مناما.
وحديث شريك لا ينافي ذلك، لأنه ليس فيه ذكر [الإسراء] إلى بيت المقدس، إنما فيه بيان العروج إلى السماء في نومه، وأيضا فإن اللَّه تعالى تمدح بقوله: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، فلم يذكر إلا الانتهاء به إلى المسجد الأقصى، ولو كان انتهى به إلى أكثر من ذلك لذكره، فإنه كان أعظم للآية، وأبلغ في المدح.
وأجيب بأن اللَّه تعالى قال: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى، عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى * عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى، ثم قال ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى * لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى، فأثبت- سبحانه- أن محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم رأى جبريل في الصورة التي خلق عليها بعين بصره، وهكذا كان كل شيء رآه في تلك الليلة، إنما هو بعين بصره.
وأما اقتصار شناعة أهل الكفر على ذكرهم مسراه إلى بيت المقدس دون السموات، [فلأنهم] أرادوا تكذيبه عليه السلام بما شاهده الناس وعلموه، دون ما غاب عنهم، مما لم يعلموا كنهه، ولم يذكروا أنه صعد السموات، لأنه عندهم معلوم كذبه فيه، فطلبوا منه نعت بيت المقدس، لأنهم كانوا