يخبروا به، [ومتحققون] أنه عليه السلام لم يره قط، فعدوا قوله: أنه أسرى به إلى السموات من جنس قوله: أن الملك يأتيه منها في طرفة عين، وكان ذلك مستقرا عندهم استحالته، ولا يعلم إلا من جهته، إذ لا دليل عليه من خارج يشاهدونه، إلا قيام صدقه بالمعجزة، وقد عاندوا فيها، بخلاف إخباره أنه أتى بيت المقدس في ليلته، فإنه أمكنهم استعلام صدقه في ذلك، فطالبوه بنعته، فجلاه اللَّه له، فطفق يخبرهم عن آياته، وهو ينظر إليه، ولم يكن عليه السلام أتى بيت المقدس قبل الإسراء، فكان معلوما عندهم من حاله أنه لم يره قط، وإلا لما طالبوه بنعته.
وعلى هذا، جاءت الآية: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى تشنيعا عليهم، ونداءا بما علموا صدقه فيه، فأصروا على تكذيبه، فلهذا اقتصر اللَّه تعالى على ذلك، دون ذكر صعوده إلى السماء.
وزعم من قال: بأن [الإسراء] إلى بيت المقدس وإلى السموات، وقع أكثر من مرة واحدة، تارة في المنام، وتارة في اليقظة، بأن هذا فيه جمع بين الأحاديث المختلفة، وعليه، يخرج أيضا الاختلاف في المكان الّذي وقع منه الإسراء، وهذه اختيار أبى نصر بن أبى القاسم القشيري، وأبى القاسم السهيليّ، وأبى بكر محمد بن العربيّ، والمهلب بن أبى صفرة، وإليه مال أبو سعيد عبد الملك بن محمد النيسابورىّ الواعظ.
قال: وترتيب الأخبار أن يقال: كان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم معاريج، منها ما كان حقيقة، ومنها ما كان رؤيا، وعليه عوّل أبو شامة وقال: أنه أسرى بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم مرارا قبل البعثة وبعدها.
فأما قبل البعثة، فكان في النوم على ما شهد له حديث شريك، وكان ذلك من جملة ما أخبرت عنه عائشة رضى اللَّه عنها، وأجملته من حاله