وقد اختلف سلف الأمة وخلفها، في رؤية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ربه تعالى ليلة الإسراء، بعد اتفاق جمهور أهل العلم، على أنه سبحانه وتعالى، يضح أن يرى، وقالت المعتزلة والفلاسفة: لا يصح أن يرى، وقالت الأشاعرة: يصح أن يرى، واحتج من أثبت الرؤية بقوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ، وبقوله سبحانه: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ، وبقوله تعالى عن موسى عليه السلام: قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي.
ثم اختلف القائلون بجواز الرؤية، فذهب الأكثرون إلى جوازها في الدنيا، ومنهم من خصّها بالآخرة، وهو مذهب عائشة رضى اللَّه عنها، ونقل عثمان بن سعيد الدارميّ، إجماع الصحابة رضى اللَّه عنهم على قول عائشة في عدم وقوع رؤية النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ربه تعالى ليلة الإسراء.
[وقد] اختلف القائلون بجواز الرؤية، فقالت [الكرامية] والمشبهة- خزاهم اللَّه-: رؤيته كرؤية غيره، بارتسام، واتصال، ومواجهة. وقالت الأشاعرة: معناها أن تحصل لنا حالة في الانكشاف والظهور، نسبتها إلى ذاته المخصوصة، كنسبة الحالة المسماة بالإبصار، والرؤية إلى هذه المرئيات.
فإذا تقرر ذلك فنقول: قد اختار إمام الأئمة محمد بن خزيمة، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رآه سبحانه ببصره، وتبعه في ذلك جماعة من المتأخرين، وقد قال عبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه عنه: أنه رآه بفؤاده، كما مرّ في رواية مسلم، وأنكرت عائشة رضى اللَّه عنها رؤية البصر، وإلى هذا مال جماعات من الأئمة قديما وحديثا، اعتمادا على حديث أبى ذرّ وأتباعا لقول عائشة رضى اللَّه عنها، وقالوا: وهذا مشهور عنها، ولم يعرف لها مخالف من الصحابة، إلّا ما روى عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] ، أنه رآه بفؤاده، ونحن نقول به. وما روى من ذلك من إثبات الرؤية بالبصر، فلا يصح شيء