فاشتد ذلك عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فدخل على أم سلمة فقال: هلك المسلمون! أمرتهم أن يحلقوا فلم يفعلوا، قال: فجلى اللَّه تبارك وتعالى عنهم يومئذ بأم سلمة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها. قالت أم سلمة رضى اللَّه وتبارك وتعالى عنها: يا نبي اللَّه! أتحب ذلك؟ اخرج ثم لا تكلم أحدا منهم، فإنّهم قد دخلوا في أمر عظيم لما أدخلت على نفسك من المشقة في أمر الصلح، ورجوعهم بغير فتح، فأشارت عليه أن يتحلل لينتفى عنهم هذا الاحتمال. وعرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صواب ما أشارت به ففعله، فلما رأى الصحابة ذلك بادروا إلى فعل ما أمرهم به، إذ لم يبق بعد ذلك غاية تنتظر. وفيه فضل المشورة، وأن الفعل إذا انضم إلى القول كان أبلغ من القول المجرد، وليس فيه أن الفعل مطلقا أبلغ من القول، وفيه جواز مشاورة المرأة الفاضلة، وفضل أم سلمة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها ووفور عقلها حتى قال إمام الحرمين: لا نعلم امرأة أشارت برأي فأصابت إلا أم سلمة، كذا قال: وقد استدرك بعضهم عليه بنت شعيب في أمر موسى عليه السّلام. نحر صلّى اللَّه عليه وسلّم هديه، وكان سبعين بدنة، كان فيها جمل لأبى جهل، في رأسه برة من فضة ليغيظ به المشركين، وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم غنمه منه في غزوة بدر، ودعا حالقة خراش بن أمية بن الفضل الخزاعي، فحلقه. قال ابن إسحاق: فحدثني عبد اللَّه بن أبى نجيح عن مجاهد، عن ابن عباس: حلق رجال يومئذ وقصر آخرون، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يرحم اللَّه المحلقين، قالوا: والمقصرين ... الحديث، وفي آخره قالوا: يا رسول اللَّه! لم ظاهرت للمحلقين دون المقصرين؟ قال: لأنهم لم يشكوا. قال ابن إسحاق: قال الزهري في حديثه: ثم انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قافلا، حتى إذا كان بين مكة والمدينة، ونزلت سورة الفتح- فذكر الحديث في تفسيرها إلى أن قال: - قال الزهري: فما فتح في الإسلام فتح قبله كان أعظم من فتح الحديبيّة. (فتح الباري) : ٥/ ٤١٢ كتاب الشروط باب (١٥) الشروط في الجهاد، والمصالحة مع أهل الحرب، وكتابه الشروط حديث رقم (٢٧٣١، ٢٧٣٢) مع اختصار الشرح. -