وقال آخرون بل كانت قضاء عن العمرة الأولى، وعدوا عمرة الحديبيّة في العمر لثبوت الأجر فيها. لا لأنها كملت، وهذا الخلاف مبنى على الاختلاف في وجوب القضاء على من اعتمر فصد عن البيت، فقال الجمهور: يجب عليه الهدى ولا قضاء عليه. وعند أبى حنيفة عكسه، وعن أحمد رواية: أنه لا يلزمه هدى ولا قضاء، وأخرى: أنه يلزمه القضاء والهدى. فحجة الجمهور: قوله تبارك وتعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة: ١٩٦] . وحجة أبى حنيفة: أن العمرة تلزم بالشروع، فإذا أحصر جاز له تأخيرها فإذا زال الحصر أتى بها، ولا يلزم من التحلل بين الإحرامين سقوط القضاء. وحجة من أوجبها: ما وقع للصحابة، فإنّهم نحروا الهدى حيث صدوا واعتمروا من قابل وساقوا الهدى. وحجة من لم يوجبها: أن تحللهم بالحصر لم يتوقف على نحر الهدى بل أمر من معه هدى أن ينحر، ومن ليس معه هدى أن يحلق. قال الحاكم في (الإكليل) : تواترت الأخبار أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما هلّ ذو القعدة- يعنى سنة سبع- أمر أصحابه أن يعتمروا قضاء لعمرتهم التي صدهم المشركون عنها بالحديبية، وأن لا يتخلف أحد ممن شهد الحديبيّة، فلم يتخلف منهم إلا رجال استشهدوا بخيبر، ورجال ماتوا. وخرج معه من المسلمين ألفان، واستخلف على المدينة أبا رهم الغفاريّ، وساق صلّى اللَّه عليه وسلّم ستين بدنة، وحمل السلاح، وقاد مائة فرس، فلما انتهى إلى ذي الخليفة قدم الخيل أمامه، عليها محمد بن مسلمة، وقدم السلاح، واستعمل عليه بشير بن سعد رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. وأحرم صلّى اللَّه عليه وسلّم ولبى، والمسلمون يلبون معه، ومضى محمد بن مسلمة في الخيل إلى مر الظهران، فوجد بها نفرا من قريش، فسألوه فقال: هذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يصبح هذا المنزل غدا إن شاء اللَّه تعالى. فأتوا قريشا فأخبروهم ففزعوا.