قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: (فقال ما تجدون في التوراة) قال العلماء: هذا السؤال ليس لتقليدهم ولا معرفة الحكم منهم فإنما هو لالزامهم بما يعتقدونه في كتابهم ولعله صلى اللَّه عليه وسلّم قد أوحى اليه أن الرجم في التوراة الموجودة في أيديهم لم يغيروه كما غيروا أشياء أو أنه أخبره بذلك من أسلم منهم ولهذا لم يخف ذلك عليه حين كتموه. قوله (نسود وجوههما ونحملهما) هكذا هو في أكثر النسخ نحملهما بالحاء واللام، وفي بعضها نجملها بالجيم وفي بعضها نحممهما بميمين وكله متقارب فمعنى الأول نحملهما على الحمل ومعنى الثاني نجملهما جميعا على الجمل ومعنى الثالث نسود وجوههما بالحمم بضم الحاء وفتح الميم وهو الفحم وهذا الثالث ضعيف لأنه قال قبله نسود وجوههما فان قيل كيف رجم اليهوديان بالبينة أم بالإقرار قلنا الظاهر أنه بالإقرار وقد جاء في سنن أبى داود وغيره أنه شهد عليهما أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها فان صح هذا فان كان الشهود مسلمين فظاهر وإن كانوا كفارا فلا اعتبار بشهادتهم ويتعين أنهما أقرا بالزنا. قال العلامة ابن القيم في (زاد المعاد) : فتضمنت هذه الحكومة أن الإسلام ليس بشرط في الإحصان، وأن الذمي يحصن بالذمية، وإلى هذا ذهب أحمد والشافعيّ، ومن لم يقل بذلك اختلفوا في وجه هذا الحديث، فقال مالك في غير (الموطأ) : لم يكن اليهود بأهل ذمة، والّذي في (صحيح البخاري) : أنهم أهل ذمة، ولا شك أن هذا كان بعد العهد الّذي وقع بين النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وبينهم ولم يكونوا إذا ذاك حربا، كيف وقد تحاكموا إليه، ورضوا بحكمه؟ وفي بعض طرق الحديث: أنهم قالوا: اذهبوا بنا إلى هذا النبي، فإنه بعث بالتخفيف وفي بعض طرقه: أنهم دعوه إلى بيت مدارسهم، فأتاهم وحكم بينهم، فهم كانوا أهل عهد وصلح بلا شك.