وقال الرافعي في قوله صلى اللَّه عليه وسلّم اللَّهمّ إني اتخذت عندك عهدا.... الحديث، وهذا قريب من جعل الحدود كفارات لأهلها. قال العلماء: وذلك في حق المسلمين، كما نطق به الخبر، فإنه دعا على الكفار والمنافقين ولم يكن لهم رحمة.
فإن قيل: إن كان المدعو عليه يستحق الدعاء فكيف يجعله رحمة له؟
وإن كان لا يستحقه فكيف يدعو على من لا يستحق الدعاء؟.
أجيب بأنه يجوز أن يكون مستحقا للدعاء عليه شرعا غير أن رأفته صلى اللَّه عليه وسلّم وشفاعته تقتضي أن يدعو له لارتكابه ما نهى عنه، والعاصي أولى وأحق أن يدعو له. وقد يكون الدعاء عليه سببا لزيادة عصيانه، ويجوز أن لا يكون مستحقا للدعاء في الباطن، وهو يستحقه ظاهرا، والرسول صلى اللَّه عليه وسلّم إنما يحكم بالظاهر.
ويجوز أن يكون المراد به ما صدر منه على صيغة الدعاء، واللعن، والسب، وليس المراد حقيقة ذلك، كما جرت به عادة العرب في كلامها، كقوله: تربت يمينك، وعقرا وحلقا. فخشي صلى اللَّه عليه وسلّم أن يصادف شيء من ذلك إجابة، فسأل اللَّه أن يجعل ذلك رحمة وكفارة.
فإن قيل: قد قال في الحديث: إنما أنا بشر، أغضب كما يغضب البشر، وذلك يقتضي أن سبه ولعنه للغضب.
أجيب بأن الماوردي قال: يحتمل أنه صلى اللَّه عليه وسلّم أراد أن دعاءه وسبه وجلده، كان مما خير فيه بين أمرين: أحدهما: هذا، والثاني: زجره بأمر آخر، فحمله الغضب للَّه على أحد الأمرين المخير فيهما، وهو السب، واللعن، والجلد، فليس ذلك خارجا عن حكم الشرع، وعدّ القضاعي هذه مما خص به النبي صلى اللَّه عليه وسلّم دون الأنبياء قبله.