للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب


[ () ] وحديث الباب يؤيد هذا والّذي قبله، واللفظ محتمل للأقوال الثلاثة. وظاهر ما حكته عائشة من استئذانه أنه لم يرج أحدا منهن، بمعنى أنه لم يعتزل، وهو قول الزهري: «ما أعلم أنه أرجا أحدا من نسائه» أخرجه ابن أبى حاتم، وعن قتادة أطلق له أن يقسم كيف شاء فلم يقسم إلا بالسوية. (فتح الباري) : ٨/ ٦٧٣- ٦٧٥.
(باب هل للمرأة أن تهب نفسها لأحد) أي فيحل له نكاحها بذلك، وهذا يتناول صورتين:
إحداهما: مجرد الهبة من غير ذكر مهر، والثانية: العقد بلفظ الهبة. فالصورة الأولى ذهب الجمهور إلى بطلان النكاح، وأجازه الحنفية والأوزاعي، ولكن قالوا: يجب مهر المثل، وقال الأوزاعي: إن تزوج بلفظ الهبة وشرط أن لا مهر لم يصح النكاح. وحجة الجمهور قوله تعالى: خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ فعدوا ذلك من خصائصه صلى اللَّه عليه وسلّم وأنه يتزوج بلفظ الهبة بغير مهر في الحال ولا في المآل، وأجاب المجيزون عن ذلك بأن المراد أن الواهبة تختص به لا مطلق الهبة.
والصورة الثانية ذهب الشافعية وطائفة إلى أن النكاح لا يصح إلا بلفظ النكاح أو التزويج، لأنهما الصريحان اللذان ورد بهما القرآن والحديث، وذهب الأكثر إلى أنه يصح بالكنايات، واحتج الطحاوي لهم بالقياس على الطلاق فإنه يجوز بصرائحه وبكناياته مع القصد.
قوله: (حدثنا هشام) هو ابن عروة عن أبيه (قال: كانت خولة) هذا مرسل، لأن عروة لم يدرك زمن القصة، لكن السياق يشعر بأنه حمله عن عائشة. وقد ذكر المصنف عقب هذه الطريق رواية من صرح فيه بذكر عائشة تعليقا.
قوله: (بنت حكيم) أي ابن أمية بن الأوقص السلمية، وكانت زوج عثمان بن مظعون، وهي من السابقات إلى الإسلام، وأمها من بنى أمية.
قوله: (فقالت عائشة: أما تستحي المرأة أن تهب نفسها) وفي رواية محمد بن بشر الموصولة عن عائشة أنها كانت تعير اللائي وهبن أنفسهن.
قوله: فلما نزلك: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ في رواية عبدة بن سليمان: فأنزل اللَّه ترجى وهذا أظهر في أن نزول الآية بهذا السبب، قال القرطبي: حملت عائشة على هذا التقبيح الغيرة التي طبعت عليها النساء وإلا فقد علمت ان اللَّه أباح لنبيه ذلك وان جميع النساء لو ملكن لرقهن لكان قليلا.
قوله: (ما أرى ربك إلا يسارع في هواك) في رواية محمد بن بشر «إني لأرى ربك يسارع لك في هواك «أي في رضاك، قال القرطبي: هذا قول أبرزه الدلال والغقيرة، وهو من نوع قولها: ما أحمدكما ولا أحمد إلا اللَّه، وإلا فإضافة الهوى إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم لا تحمل على ظاهره، لأنه لا ينطق عن الهوى ولا يفعل بالهوى، لو قالت: إلى مرضاتك لكان أليق، ولكن الغيرة يغتفر لأجلها إطلاق مثل ذلك. (فتح الباري) : ٩/ ٢٠٤- ٢٠٥.
[ (٢) ] زيادة للسياق من (البخاري) .