للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب


[ () ] وقال في رسالته (الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد) وأما التوسل إلى اللَّه سبحانه بأحد من خلقه في مطلب يطلبه العبد من ربه فقد قال الشيخ عز الدين عبد السلام: أنه لا يجوز التوسل إلى اللَّه تعالى إلا بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم إن صح الحديث فيه. ولعله يشير إلى الحديث الّذي أخرجه النسائي في سننه والترمذي وصححه ابن ماجة وغيرهم أن أعمى أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فذكر الحديث.
قال وللناس في معنى هذا قولان أحدهما أن التوسل هو الّذي ذكره عمر بن الخطاب لما قال كنا إذا أجدبنا نتوسل بنبينا إليك فتسقينا بنبينا إليك فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا وهو في صحيح البخاري وغيره فقد ذكر عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أنهم كانوا يتوسلون بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم في حياته في الاستسقاء ثم توسل بعمه العباس بعد موته وتوسلهم هو استسقاؤهم بحيث يدعو ويدعون معه فيكون هو وسيلتهم إلى اللَّه تعالى والنبي صلى اللَّه عليه وسلّم كان في مثل هذا شافعا وداعيا لهم، والقول الثاني أن التوسل به صلى اللَّه عليه وسلّم يكون في حياته وبعد موته وفي حضرته ومغيبه ولا يخافك أنه قد ثبت التوسل به صلى اللَّه عليه وسلّم في حياته وثبت التوسل بغيره بعد موته بإجماع الصحابة إجماعا سكوتيا لعدم إنكار أحد منهم على عمر رضى اللَّه عنه في توسله بالعباس رضى اللَّه عنه، وعندي أنه لا وجه لتخصيص جواز التوسل بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم كما زعمه الشيخ عز الدين بن عبد السلام لأمرين الأول ما عرفناك به من إجماع الصحابة رضى اللَّه عنهم والثاني أن التوسل إلى اللَّه بأهل الفضل والعلم هو في التحقيق توسل بأعمالهم الصالحة ومزاياهم الفاضلة إذ لا يكون الفاضل فاضلا إلا بأعماله، فإذا قال القائل اللَّهمّ إني أتوسل إليك بالعالم الفلاني فهو باعتبار ما قام به من العلم، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم حكى عن الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة أن كل واحد منهم توسل إلى اللَّه بأعظم عمل عمله فارتفعت الصخرة، فلو كان التوسل بالأعمال غير جائز أو كان شركا كما يزعمه المشددون في هذا الباب كابن عبد السلام ومن قال بقوله من أتباعه لم تحصل الإجابة لهم ولا سكت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم عن إنكار ما فعلوه بعد حكايته عنهم. وبهذا تعلم أن ما يورده المانعون من التوسل بالأنبياء والصلحاء من قوله تعالى: ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى ونحوه قوله تعالى فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً ونحو قوله تعالى: لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ ليس بوارد بل هو من الاستدلال على محل النزاع بما هو أجنبى عنه، فإن قولهم ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى اللَّه زلفى مصرح بأنهم عبدوهم لذلك والمتوسل بالعالم مثلا لم يعبده بل علم أن له مزية عند اللَّه بحمله العلم فتوسل به لذلك، وكذلك قوله ولا تدعو مع اللَّه أحدا فإنه نهى عن أن التوسل عليه بعمل صالح عمله