للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب


[ () ] بعض عباده كما توسل الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة بصالح أعمالهم وكذلك قوله:
وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الآية فإن هؤلاء دعوا من لا يستجيب لهم ولم يدعوا ربهم الّذي يستجيب لهم والمتوسل بالعالم مثلا لم يدع إلا اللَّه ولم يدع غيره دونه ولا دعا غيره معه. وإذا عرفت هذا لم يخف عليك دفع ما يورده المانعون للتوسل من الأدلة الخارجة عن محل النزاع خروجا زائدا على ما ذكرناه كاستدلالهم بقوله تعالى: وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ* ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ* يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ
فإن هذا الآية الشريفة ليس فيها إلا أنه تعالى المنفرد بالأمر في يوم الدين وأنه ليس لغيره من الأمر شيء، والمتوسل بنبي من الأنبياء أو عالم من العلماء هو لا يعتقد أن لمن توسل به مشاركة للَّه جل جلاله في أمر يوم ومن اعتقد هذا العبد من العباد سواء كان نبيا أو غير نبي فهو ضلال مبين، وهكذا الاستدلال على منع التوسل بقوله: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا فأن هاتين الآيتين مصرحتان بأنه ليس لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من أمر اللَّه شيء وأنه لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا فكيف يملك لغيره. وليس فيهما منع التوسل به أو بغيره من الأنبياء وأولياء والعلماء، وقد جعل اللَّه لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم المقام المحمود لمقام الشفاعة العظمى وأرشد الخلق إلى أن يسألوه ذلك ويطلبوه منه وقال له سل تعطه وأشفع تشفع وقيل ذلك في كتابة العزيز بأن الشفاعة لا تكون إلا بأذنه ولا تكون إلا لمن ارتضى، وهكذا الاستدلال على منع التوسل بقوله صلى اللَّه عليه وسلّم لما نزل قوله تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ يا فلان ابن فلان لا أملك لك من اللَّه شيئا، يا فلانة بنت فلان لا أملك من اللَّه شيئا، فإن هذا ليس فيها إلا التصريح بأنه صلى اللَّه عليه وسلّم لا يستطيع نفع من أراد اللَّه ضره ولا ضر من اللَّه تعالى نفعه وأنه لا يملك لأحد من قرابته فضلا عن غيرهم شيئا من اللَّه، وهذا معلوم لكل مسلم وليس فيه أنه لا يتوسل به إلى اللَّه فإن ذلك هو طلب الأمر ممن له الأمر والنهى وإنما أراد الطالب أن يقدم بين يدي طلبه ما يكون سببا للإجابه ممن هو المنفرد بالعطاء والمنع وهو مالك يوم الدين انتهى كلام الشوكانى.
قلت: الحق عندي أن التوسل بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم في حياته بمعنى التوسل بدعائه وشفاعته جائز وكذا التوسل بغيره من أهل الخير والصلاح في حياتهم بمعنى التوسل بدعائهم وشفاعتهم أيضا جائز، وأما التوسل به صلى اللَّه عليه وسلّم بعد مماته وكذا التوسل بغيره من أهل الخير والصلاح بعد مماتهم فلا يجوز، واختاره الإمام ابن تميمة في رسالته التوسل والوسيلة وقد أشبع الكلام في تحقيقه وأجاد