ثم لو صح ما ادعوه لما كان الفضل إلا لتلك الروضة خاصة لا لسائر المدينة وهذا خلاف قولهم.
فإن قالوا: ما قرب فيها أفضل مما بعد قلنا فليلزمكم على هذا أن تكون الجحفة ووادي القرى أفضل من مكة لأنهما أقرب إلى الروضة من مكة وهذا لا يقولونه، فبطل تعلقهم بهذا الخبر.
وقال أبو عمر بن عبد البر: اختلف الناس في تأويل قول الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم:
ما بين قبري ومنبري، وروى ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة فقال قوم: معناه أن البقعة ترفع يوم القيامة فتجعل في رياض الجنة. وقال آخرون: قال: فإنّهم يعنون أنه لما كان جلوسه صلى اللَّه عليه وسلّم وجلوس الناس إليه يتعلمون القرآن والدين هناك شبه ذلك الموضع بالروضة لكريم [يحصل فيه] في وأضافها إلى الجنة كما
قال صلى اللَّه عليه وسلّم: الجنة تحت ظلال السيوف
يعنى أنه عمل يوصل به إلى الجنة وهذا جائز شائع في لسان العرب واللَّه أعلم بما أراد من ذلك.
وقد استدل أصحابنا على أن المدينة أفضل من مكة بهذا الحديث وركبوا عليه
قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها
وهذا لا دليل فيه على ما ذهبوا إليه إلا أن قوله هذا أراد به ذم الدنيا والزهد فيها والترغيب في الآخرة فأخبر أن السير من الجنة خير من الدنيا كلها وأراد بذلك السوط التقليل لا أنه أراد موضع السوط بعينه بل موضع نصف سوط وربع سوط من الجنة الباقية خير من الدنيا الفانية وهذا مثل قوله تعالى: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ لم يرد القنطار بعينه وإنما أراد الكثير وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لم يرد الدينار يعينه وانما أراد القليل أي أن منهم من يؤتمن على بيت مال فلا يخون ومنهم من يؤتمن على فلس أو نحوه فيخون على أن قوله:
روضة من رياض الجنة
يحتمل ما قال العلماء في ما قدمنا ذكره فلا حجة لهم في شيء مما ذهبوا إليه والمواضع كلها البقاع أرض اللَّه فلا يجوز أن يفضل منها شيء على شيء إلا بما يجب التسليم له وإني لا أعجب لمن يترك