للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحدهما: أنه يتضمن ثناء المصلى عليه، والإشادة بذكر شرفه وفضله، والإرادة والمحبة لذلك من اللَّه- تعالى.

الثاني: أن ذلك سمى منا صلاة عليه لسؤالنا من اللَّه- تعالى- أن يصلى عليه، فصلاة اللَّه ثناؤه وإرادته لرفع ذكره وتقريبه، وصلاتنا نحن عليه سؤالنا اللَّه- تعالى- أن يفعل ذلك به، وضد ذلك في لعنة أعدائه الشانئين [ (١) ] لما جاء به، فإنّها تضاف إلى اللَّه- تعالى- وتضاف إلى العبد كما قال تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ [ (٢) ] .

فلعنة اللَّه لهم تتضمن مقته وإبعاده وبغضه لهم، ولعنة العبد سؤال اللَّه- تعالى- أن يفعل ذلك بمن هو أهل اللعنة، وإذا ثبت هذا، فمن المعلوم أنه لو كانت الصلاة هي الرحمة لم يصح أن يقال لطالبها من اللَّه- تعالى- مصليا، وإنما يقال له مسترحما له، كما يقال لطالب المغفرة مستغفرا له، ولطالب العطف مستعطفا، ونظائره كثيرة، ولهذا يقال لمن سأل اللَّه المغفرة: قد عفى عنه، وهنا قد سمى العبد مصليا، فلو كانت الصلاة هي الرحمة، لكان العبد راحما لمن صلى عليه، وكان يقال رحمه يرحمه، ومن رحم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مرة رحمه اللَّه- تعالى- بها عشرا، وهذا معلوم البطلان، فإن قيل: ليس معنى صلاة العبد عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم رحمه، إنما معناها طلب الرحمة له من اللَّه- تعالى، قيل هذا غير مسلم لأمرين:

أحدهما: أن طلب الرحمة مشروع لكل مسلم، وطلب الصلاة من اللَّه- تعالى- يختص بالأنبياء والرسل عند كثير من الناس كما تقدم.

الثاني: أنه لو سمى طالب الرحمة مصليا لسمى طالب المغفرة غافرا، وطالب العفو عافيا، وطالب الصفح صافحا، ونحوه، فإن قيل: فأنتم قد سميتم طالب الصلاة من اللَّه- تعالى- مصليا، قيل: إنما سمى مصليا


[ (١) ] الشانئون: جمع شانئ، وهو المبغض، قال تعالى: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [الكوثر: ٣] .
[ (٢) ] البقرة: ١٥٩.