مصل عليه، ولا مثن عليه بما يستحق، ولا يستحق أن يصلى اللَّه عليه بذلك عشرا، ولو كانت الصلاة من اللَّه الرحمة لم يمتنع شيء من ذلك.
الوجه الثاني عشر: إن اللَّه- تعالى- قال: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً [ (١) ] ، فأمر اللَّه- تعالى- أن لا يدعى رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم بما يدعو الناس به بعضهم بعضا من مناداتهم ومخاطباتهم بأسمائهم، بل يقال:
يا رسول اللَّه ولا يقال: يا محمد، وما كان يسميه باسمه وقت مخاطبته إلا الكفار فقط: وأما المسلمون فكانوا يخاطبونه برسول اللَّه، وإذا كان هذا في خطابه مواجهة فهكذا يكون في مغيبه، فلا ينبغي أن يجعل ما يدعى له من جنس ما يدعون بعضا لبعض، بل يدعى له بأشرف الدعاء، وهو السلام عليه ومعلوم أن الرحمة يدعى بها لكل مسلم، نعم ولغير الآدمي من الحيوانات كما في الاستسقاء: اللَّهمّ ارحم عبادك، وبلادك، وبهائمك، فلا بد من تشريف يتميز به الرسول في الدعاء، وإلا فيكون قد سوى بهم، وفي عدم تشريفه ما قد علم من مقت اللَّه ونكاله.
الوجه الثالث عشر: أن هذه اللفظة لا تعرف في اللغة الأصلية بمعنى الرحمة أصلا، والمعروف عند العرب معناها إنما هو الدعاء والتبريك والثناء.
قال الشاعر:
وإن ذكرت صلّى عليها وزمزما
أي برك عليها ومدحها، ولا تعرف العرب قط صلّى عليه بمعنى رحمه، فالواجب حمل اللفظة على معناها المتعارف.
قال ابن سيدة: والصلاة والدعاء والاستغفار، وصلاة اللَّه على رسوله رحمته له وحسن ثنائه عليه وصلّى دعا، وفي الحديث من دعي إلى وليمة فليجب وإلا فليصل.
قال الأعشى:
عليك مثل الّذي صليت فاعتصمي ... يوما فإن لجنب المرء مضجعها