للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب


[ () ] إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رايته العظمى يوم تبوك، وأنه كان يملك يوم أسلم أربعين ألف درهم، فكان يعتق منها ويقوي المسلمين، وهو أول من جمع القرآن، وتنزّه عن شرب المسكر في الجاهلية والإسلام، وهو أول من قاء تحرجا من الشبهات.
وذكر محمد بن إسحاق أنه أسلم على يده من العشرة خمسة: عثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد اللَّه، والزبير، وسعد بن أبي وقّاص، وعبد الرحمن بن عوف رضي اللَّه عنهم.
عن أبي سعيد قال: خطب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: «إن اللَّه عزّ وجلّ خيّر عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عنده» . فبكى أبو بكر رحمة اللَّه عليه، فعجبنا من بكائه أن أخبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من عبد خيّر، فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المخيّر، وكان أبو بكر أعلمنا به. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إن من أمنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذا خليلا غير ربي عزّ وجلّ لاتخذت أبا بكر، لكن أخوّة الإسلام ومودته، لا يبقى في المسجد باب إلا سدّ إلا باب أبي بكر.
أخرجاه في الصحيحين، البخاري في باب قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: «سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر» ، ومسلم في باب من فضائل أبي بكر الصديق.
وعن الحسن قال: قال عليّ عليه السلام: لما قبض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نظرنا في أمرنا فوجدنا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قد قدّم أبا بكر في الصلاة، فرضينا لدنيانا من رضي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لديننا، فقدمنا أبا بكر.
وقالت عائشة: لما استخلف أبو بكر ألقى كل دينار ودرهم عنده في بيت المال وقال: قد كنت أتّجر فيه وألتمس به، فلما وليتهم شغلوني. وأخرج ابن سعد نحوه من طريق الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: لما ولي أبو بكر قال: قد علم قومي أن حرفتى لم تكن لتعجز عن مؤنة أهلي وقد شغلت بأمر المسلمين، وسأحترف للمسلمين في مالهم، وسيأكل آل أبي بكر من هذا المال.
وعن هشام بن عروة عن أبيه قال: لما ولي أبو بكر خطب الناس فحمد اللَّه وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: «أما بعد أيها الناس، قد وليت أمركم ولست بخيركم، ولكن قد نزل القرآن، وسنّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم السّنن فعلمنا، اعلموا أن أكيس الكيس التقوى، وأن أحمق الحمق الفجور، إن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بحقه، وإن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق، أيها الناس، إنما أنا متّبع ولست بمبتدع، فإن أحسنت فأعينوني، وإن زغت فقوموني.
وعن عائشة قالت: لما مرض أبو بكر مرضه الّذي مات فيه قال: انظروا ماذا زاد في مالي منذ دخلت في الإمارة، فابعثوا به إلى الخليفة من بعدي، فنظرنا فإذا عبد نوبيّ (نسبة إلى بلاد النوبة جنوبيّ مصر) كان يحمل صبيانه، وإذا ناضح (بعير يستقي عليه) كان يسقي بستانا له، فبعثنا بهما إلى عمر. قالت: فأخبرني جدي أن عمر بكى وقال: رحمة اللَّه على أبي بكر، لقد أتعب من بعده تعبا شديدا. روي أبو بكر رضي اللَّه عنه مائة حديث واثنين وأربعين حديثا.
وتوفي أبو بكر ليلة الثلاثاء بين المغرب والعشاء، لثمان ليال بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة، وهو ابن ثلاث وستين، وأوصي أن تغسّله أسماء زوجته، فغسّلته، وأن يدفن إلى جنب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وصلى عليه عمر بين القبر والمنبر، ونزل في حفرته ابنه عبد الرحمن، وعمر، وعثمان، وطلحة بن عبيد اللَّه. رحمه اللَّه ورضي عنه، وحشرنا في زمرته، وأماتنا على سنته ومحبته.
* (طبقات ابن سعد) : ٣/ ١٦٩- ٢١٣، (تاريخ الطبري) : ٢/ ٣١٤، (المعارف) :
١٦٧- ١٧٨، (تاريخ الإسلام) : ٣/ ١٠٥- ١٢٢، (صفة الصفوة) : ١/ ١٢٣- ١٣٩،