الخلق وأحسنهم تعبيرا عن المعاني الكثيرة، بالألفاظ الوجيزة، الدالة على المراد، وأصبرهم في مواطن الصبر، وأصدقهم في مواطن اللقاء وأوفاهم بالعهد والذمة، وأعظمهم مكافأة على الجميل بأضعافه وأشدهم تواضعا وأعظمهم إيثارا، وأشد الخلق ذبا عن أصحابه وحماية لهم، ودفعا عنهم، وأقوم الخلق بما يأمر به، وأتركهم لما ينهى عنه، وأوصل الخلق لرحمه، يتفجر الخير منه تفجيرا وينطوى على كل خير، ليس في الدنيا محل كان أكثر خيرا من صدره، قد جمع الخير بحذافيره، وأودع فيه صلّى اللَّه عليه وسلّم.
وكان أصدق لهجة بحيث أقر له بذلك أعداؤه المحاربون له، ولم يجرب عليه أحد من أعدائه كذبة واحدة، دع شهادة أوليائه كلهم، فقد حاربه أهل الأرض بأنواع المحاربات ما بين مشركيهم وأهل الكتاب، فما أحد منهم طعن فيه يوما من الدهر بكذبة واحدة، صغيرة ولا كبيرة، وكان سهلا لينا، قريبا من الناس، يجيب دعوة من دعاه، ويقضى حاجة من استقضاه، ويجبر قلب من قصده، ولا يحرمه، ولا يرده خائبا، إذا أراد أصحابه أمرا وافقهم عليه، وتابعهم فيه، وإن عزم على أمر لم يستبد به دونهم، بل يشاورهم ويؤامرهم، وكان يقبل من محسنهم، ويعفو عن مسيئهم، ولم يكن يعاشر جليسه إلا أتم وأحسنها وأكرمها، فكان لا يعبس في وجه، ولا يغلظ له في مقاله، ولا يطوى عنه بشره، ولا يمسك عليه فلتات لسانه، ولا يؤاخذه بما يصدر منه من جفوة ونحوها، بل يحسن إلى عشيرة غاية الإحسان، ويحتمله غاية الاحتمال، ولا يعاتب أحدا من أصحابه، ولا يلومه، ولا يبادئه بما يكره، مع احتمال الأذى والجفوة، يقول من خالطه في نفسه إنه أحب الناس إليه، من لطفه به، وقربه منه، وبره له، وإقباله عليه، واهتمامه بأمره، ونصيحته له وبذل إحسانه إليه، واحتمال جفوته، فأى عشرة كانت أو تكون أكرم من هذه العشرة، قد خصه اللَّه- تعالى- بصفتين، وهما: الإجلال ... والمحبة.
فكان قد ألقى عليه هيبة منه- تعالى- ومحبة، أن كل من يراه يجله ويملأ قلبه إجلالا وتعظيما- وإن كان عدوا له- فإذا خالطه وعاشره، كان أحب إليه من كل مخلوق فهو المبجل المعظم، المكرم المحبوب، ولم يكن بشر