للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللَّه لم يجعل ذلك إلا لنبيه، ولكن ليجتهد رأيه، لأن الرأي من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان مصيبا، لأن اللَّه كان يريه إياه، وهو منا الظن والتكليف.

وقال الماتريدي: قوله: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ، أي موافقا لما هو الحق في فعل كل أحد، وهو التكليف دون الأعمال، أو بما له عاقبة حميدة، لأن ما ليس كذلك عبث وباطل، أو مبينا بما هو الحق للَّه على العباد، وبما لبعضهم على بعض، ليعملوا بذلك، أو بيانا لأمر هو حق كائن ثابت، وهو البعث والقيامة، ليتزودوا له، أو مما يحمد عليه فاعله، أو بالعدل والصدق على الأمن من التغيير والتبديل، بما أراك اللَّه وألهمك.

وفيه دليل على جواز اجتهاده كالنص، لأن اللَّه- تعالى- أخبر أنه يريه ذلك، ولا يريه غير الصواب.

وقال ابن حيان: معنى قوله: بِما أَراكَ اللَّهُ، يريد به بما أراك اللَّه- تعالى- من القرآن وعلمك إياه، وقال الأثير أبو حيان: ومعنى: بِما أَراكَ اللَّهُ بما أعلمك من الوحي، وقيل: بالنظر فإنه صلّى اللَّه عليه وسلّم محروس في اجتهاده معصوم الأقوال والأفعال، وقيل: بما ألقاه في قلبك من أنوار المعرفة، وصفاء الباطن، واحتج من أجاز ذلك أيضا بأن منصب الاجتهاد في الأحكام منصب كمال، فلا ينبغي أن يفوته صلّى اللَّه عليه وسلّم.

وقد دل على وقوعه منه

قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: لو قلت: نعم، لوجبت،

وقوله:

لو كنت سمعت شعرها ما قتلت أباها،

في قضيتين مشهورتين:

أما القضية الأولى:

فخرّج مسلم [ (١) ] من حديث يزيد بن هارون عن الربيع بن مسلم القرشي، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال:


[ (١) ] (مسلم بشرح النووي) : ٩/ ١٠٨- ١١٠، كتاب الحج، باب (٧٣) فرض الحج مرة في العمر، حديث رقم (١٣٣٧) .
قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: (يا أيها الناس قد فرض عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكل عام يا رسول اللَّه فسكت، حق قالها ثلاثا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لو قلت: نعم لو جبت ولما استطعتم، ثم قال: ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا