للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب


[ () ] أمرتكم بشيء، فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه)
هذا الرجل السائل هو الأقرع بن حابس كذا جاء مبينا في غير هذه الرواية واختلف الأصوليون في أن الأمر هل يقتضي التكرار، والصحيح عند أصحابنا لا يقتضيه، والثاني يقتضيه، والثالث يتوقف فيما زاد على مرة على البيان فلا يحكم باقتضائه ولا بمنعه، وهذا الحديث قد يستدل به من يقول بالتوقف، لأنه سأل فقال: أكل عام؟ ولو كان مطلقة يقتضي التكرار أو عدمه لم يسأل، وقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا حاجة إلى السؤال، بل مطلقة محمول على كذا، وقد يجيب الآخرون عنه بأنه سأل استظهارا واحتياطا،
وقوله: «ذروني ما تركتكم»
ظاهر في أنه يقتضي التكرار.
قال الماوردي: ويحتمل أنه إنما احتمل التكرار عنده من وجه آخر، لأن الحج في اللغة قصد فيه تكرار فاحتمل عنده التكرار من جهة الاشتقاق لا من مطلق الأمر، قال: وقد تعلق بما ذكرناه عن أهل اللغة هاهنا من قال بإيجاب العمرة، وقال: لما كان قوله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ يقتضي تكرار قصد البيت بمحكم اللغة والاشتقاق، وقد أجمعوا على أن الحج لا يجب إلا مرة كانت العودة الأخرى إلى البيت تقتضي كونها عمرة، لأنه لا يجب قصده لغير حج وعمرة بأصل الشرع.
وأما
قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: لو قلت نعم لوجبت
ففيه دليل للمذهب الصحيح أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان له أن يجتهد في الأحكام، ولا يشترط في حكمه أن يكون بوحي، وقيل: يشترط، وهذا القائل يجيب عن هذا الحديث بأنه لعله أوحى إليه ذلك، واللَّه أعلم.
قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: (ذروني ما تركتكم)
دليل على أن الأصل عدم الوجوب، وأنه لا حكم قبل ورود الشرع، وهذا هو الصحيح عند محققي الأصوليين لقوله تعالى: وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا.
وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه استطعتم
هذا من قواعد الإسلام المهمة، ومن جوامع الكلم التي أعطيها صلّى اللَّه عليه وسلّم، ويدخل فيه ما لا يحصي من الأحكام كالصلاة بأنواعها فإذا عجز عن بعض أركانها أو بعض شروطها أتى بالباقي، وإذا عجز عن بعض أعضاء الوضوء أو الغسل الممكن، وإذا وجد بعض ما يكفيه جماعة من الماء لطهارته أو لغسل النجاسة فعل الممكن، وإذا وجبت إزالة منكرات أو فطرة جماعة من تلزمه نفقتهم أو نحوه، وأمكنه البعض فعل الممكن وإذا وجد ما يستر بعض عورته أو حفظ بعض الفاتحة أتى بالممكن، وأشباه هذا منحصرة وهي مشهورة في كتب الفقه، والمقصود التنبيه على أصل ذلك. -